غايات رئيسي من زيارة دمشق
زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سورية، وكان محمود أحمدي نجاد آخر رئيس إيراني وصل إلى دمشق، وذلك في سبتمبر/ أيلول عام 2010، والتقى بشار الأسد في ساعتين فقط. أما زيارة الرئيس الإيراني هذه المرّة فاستمرت يومين كاملين، بصحبة وفد كبير، ما يعني أنه يعتبر أن الأسد يتحكّم بمقاليد الأمور بشكل كامل، وأن النظام استعاد تركيبته التقليدية، وأصبح من الممكن التعامل وعقد الاتفاقيات الرسمية معه. وقد قالها رئيسي بشكل صريح للأسد: إنكم اجتزتم العقبات والمشكلات، وحققتم الانتصار رغم الصعوبات والعقوبات التي فرضت ضدكم. وكانت إيران فعّالة في تحقيق ما سمّاه الرئيس الزائر انتصاراً، حيث استمر الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي طوال الاثني عشر عاما الماضية. وجاءت هذه الزيارة لتستكمل إرث العلاقات التي أراد النظام في دمشق أن تكون خاصّة ومميزة منذ عهد الأسد الأب، حين اختار الأخير الخميني حليفاً استراتيجياً وإيران دولة مفضلة. وقد رسم هذا التحالف شكلاً للمنطقة في ظل ظروف الحروب التي عاشتها طوال الفترة منذ تخطي الربع الأخير من القرن العشرين.
لا تُبنى هذه الزيارة على فرضية انتصار النظام في الحرب فقط، وإنما أيضا على ما يحدُث في الإقليم منذ مدة، كالتغلغل الصيني الفعّال الذي نتجت عنه اختراقات عدة، مثل الاتفاق السعودي الإيراني الذي مهّد لانفراج سياسي مع النظام السوري. وتَعتبر إيران أن عودة النظام إلى سابق عهده تحصيلُ لحاصل بعد الذي تحقّق، وهي ترغب في حصاد استثماراتها الهائلة التي وظفتها طوال فترة الحرب، فقد وقّع الجانبان عدة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية. وقد يكون الجانب الاستثماري التلة التي تخفي وراءها طهران ما تريدُه من دمشق، وهو الأمر الذي عملت عليه منذ سقوط صدّام حسين قبل 20 عاماً، فإيران ترغب في إنشاء ممرٍّ آمن يصل طهران بسواحل البحر الأبيض المتوسط. وإذا كانت روسيا قد احتلت ميناء طرطوس، منذ وقت مبكر، مدة طويلة جداً، فلا ترى طهران بأساً بميناء اللاذقية، وهي تعمل بالفعل ليكون لها موطئ قدم ثابت على المتوسط من خلاله، وقد فطنت إسرائيل لهذا التوجّه وقصفت الميناء أكثر من مرة واستهدفت بشكل خاص التجمّعات الإيرانية فيه.
على دراية بهذا التخطيط، أقامت الولايات المتحدة في وقت مبكر ما يشبه المستوطنة العسكرية على الحدود السورية العراقية، بمساحة واسعة تغلق قوس دائرة نصف قطرها 55 كيلومتراً، ومركزها التنف. وتسيطر على الطريق المسمّى M2، وهو المعبر الرئيسي نحو بغداد. ويوجد في هذه المنطقة حوالي مائتي جندي ومجموعة عسكرية معارضة تسمّى مغاوير الثورة. وكانت أميركا قد طردت مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المنطقة بمساعدة محلية، وأبقت لنفسها هذا الموقع المهم لتعترض كل تحرّك مشبوه من العراق إلى سورية مصدره إيران.
تظن إيران أن المناخ مناسبٌ لتصعيد نشاطها الإقليمي وتأكيد السيطرة على النقاط التي بيدها، وتصبّ زيارة رئيسي في هذا المنحى. ولكن نجاحها النهائي ما زال مرهونا بمتغيرات المنطقة، فما تم إلى حينه غير كاف لتحقيق الانزياح المطلوب بوجود فيتو أميركي وأوروبي شديد وجدّي على التجارة ونقل الأموال المرتبط بالحكومة وشخصيات النظام السوري، ويعزّزه وجود نقاط وقواعد أميركية في شمال سورية وعلى الحدود مع العراق. ورغم أصواتٍ داخلية في الولايات المتحدة تنادي بالانسحاب الكامل، ورغم الانكفاء الأميركي عن المنطقة الذي يستمر الحديث عنه منذ سنوات، ما زال جو بايدن مصرّاً على التمسّك بهذه النقاط. وهي على رمزيتها ما زالت فعّالة في كبح الرغبة الجارفة في التغيير لساسة المنطقة، وخصوصاً إيران، بعد أن شكلت حلفاً مع الصين ودفنت الاتفاق النووي مع أميركا.