فتوى اغتصاب غزّة
ملخصٌ لمجموعةٍ من أخبار الساعاتِ الأخيرة: كلب بوليسي إسرائيلي ينهشُ فلسطينياً مُصاباً بمتلازمة داون حتى الموت أمام والدته. الكنيست يقرّ بالأغلبية رفض إقامة دولة فلسطينية. نتنياهو يرفض إنشاء "مستشفى مؤقت" لاستقبال أطفال غزّة قبل رحلات علاجهم. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يقتحم المسجد الأقصى المبارك تحت حماية شرطة الاحتلال. نتنياهو يعلن أنّ الضغط العسكري على حماس هو ما يجعلها تقدّم التنازلات في صفقة الوسطاء.
... كلُّ هذه الأخبار يمكن أن يعبّر عنها الخبر الأول منها، والخاص بالكلب الإسرائيلي الذي ينهشُ الفلسطيني حتى الموت، والذي هو أيضاً يجسّد الموقف الراهن تجسيدًا كاملاً، إذ ينهشُ الصهيوني غزّة، بجميع مناطقها، من شمالها حتى أقصى الجنوب في رفح، كما ينهشُ في مدن الضفة الغربية، والحرم القدسي الشريف، ينهشُ وهو واثقٌ أنّ أحداً لن يوقفه، إذ لم يثبت أنّ كلّ بيانات الإدانة والاستنكار العربية تصلح للردع، بل على العكس، تُثير شهية النهش أكثر، وتُضحك الناهش أكثر ممّا تخيفه، منذ ذلك الحفل الاستعراضي الذي أقيم في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأطلق عليه منظمّوه اسم "القمّة العربية الإسلامية" التي أقيمت بعد نحو 40 يوماً من افتتاحِ نهشِ غزّة، وكانت النتيجة الفعلية الوحيدة لها أنّ الناهش العقور أدرك أنّ كلّ الطرق أمامه آمنة لكي يُواصل نهش البشر وقضم الأراضي وهدم المباني... ليس هذا فحسب، بل إنّه وجد من يُقيّد له وثاق الضحايا بالحصاريْن، الاقتصادي والأمني، وعلى موائد التفاوض التي يُمارس فيها على الجانب الفلسطيني المقاوم ضغط سياسي من الذين يُفترض أنّهم أشقاؤه، ولا يقلّ عنفًا وبشاعةً عن الضغط العسكري الذي يمارسه مجرمو الحرب الإسرائيليون.
في كلّ وقائع النهش المتواصلة للشهر العاشر ليس هناك أفضل تعبيراً عن المواقف العربية من فتوى رديئة ومنحطّة أطلقها داعية سلفي مرتبط بالأمن في مصر قبل عدّة سنوات. ويقول فيها إنّ الزوج إذا رأى بلطجيّاً قويّاً مسلحّاً يغتصب زوجته، فمن الأفضل أن يتركها له ولا يقاوم المسلّح لأنّه سيقتله، وبذلك تكون الخسارة مضاعفة: الاغتصاب والقتل، ويبرّر هذه الخسّة بأنّ صون النفس مُقدّمٌ على صونِ العرض.
هل تجد في جميع المواقف العربيّة من نهش غزّة ما يبتعد عن مضمون هذه الفتوى الفاسدة التي وصفها علماء من الأزهر في وقتها بأنّها دعوة إلى الخسّة؟. ... رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، وأتباعه من حركة فتح فعلوا أكثر من ذلك، إذ لم يكتفوا بترك الضحية تُنهش، بل وقفوا يصفّقون ويبرّرون للناهش فعلته، ثم ذهبوا يتفاوضون معه سرّاً على مكاسبهم وأرباحهم، بدور الساكت عن اغتصاب عرضه، إذ يكشف موقع إكسيوس الأميركي، نقلًا عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أنّ مسؤولي واشنطن وتل أبيب وسلطة رام الله عقدوا اجتماعاً سرّيّاً الأسبوع الماضي في تل أبيب لمناقشة فتح معبر رفح جزءاً من صفقة التبادل.
التحريض اليومي من عبّاس وحاشيته ضدَّ المقاومة وفرحتهم الماجنة كلّما لحق بها الأذى لم يشفعا لهم عند الكيان الصهيوني الذي قرّر، بأغلبيةِ الكنيست، رفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، لا في الضفة الغربية ولا في غزّة، ليبقى منتهى طموح هذا التيار من حزب فتح أن يبقى على قيد التنسيق الأمني مع الاحتلال، عيناً له على المقاومين، وحامياً له من الفدائيين، مقابل فتاتٍ يتساقط من مائدة السيّد الإسرائيلي، يلتقطونها مثل قطيعٍ من القطط الجائعة.
عربيًا، يعودُ وفدٌ أمني إسرائيلي موسّع إلى القاهرة مجدّدًا بعد أيام من المذابح المتواصلة طوال الأيام التي أعقبت مفاوضات قيادات الموساد والشاباك ومدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز، ومدير المخابرات المصرية، عبّاس كامل، وهي المفاوضات التي سبقت مجزرة مواصي خانيونس التي حصدت مئات الشهداء الفلسطينيين، واحتفل بها نتنياهو، بزعم أنْها استهدفت محمد الضيف وقيادات المقاومة.
عربيّاً، كذلك تتواصل حرب الدعاية السوداء ضدَّ المقاومة الفلسطينية في وسائل إعلام عربية تابعة لحكوماتٍ تتحالف جميعها ضدَّ مشروع المقاومة، وتعتبرُه مسؤولاً عن مأساة غزّة، إلى جانب مليشيات إلكترونية منتشرة بكثافة، تكتب بالعربية مضموناً صهيونيّاً صريحاً.
يحدث ذلك كله بينما الغاز الصهيوني يتدفق على القاهرة بالقدر الذي يتناسب مع درجةِ رضا نتنياهو عن أهل الحكم في مصر، ومدى سكوتهم أمام الإهاناتِ اليوميّة التي لم تتركْ مساحةً سليمة في ثوب الكرامة الوطنية، من احتلال معبر رفح إلِى الهيمنة الكاملة على محور فيلادلفيا، إلى ربط قرارات قطع الكهرباء أو تشغيلها بالإرادة الإسرائيلية. فيما يتواصل اعتماد الأردن على ما يجودُ به الاحتلال من كمّيات المياه، ولا تتوقف الصادرات الزراعية الأردنية إلى المستوطنات.
إذا لم يكن ذلك كله إسنادًا للعدوان العسكري الإسرائيلي، فماذا يكون الإسناد إذاً؟