في أزمة تكدّس الشيكل الإسرائيلي فلسطينياً
تواجه البنوك الفلسطينية مشكلة غريبة. إنها تمتلك كثيراً من أوراق الشيكل الإسرائيلي وقليلاً من العملات الأخرى، مثل الدينار الأردني والدولار الأميركي. الأمر خطير وقد تضطر البنوك الفلسطينية إلى إغلاق أبوابها، الأمر الذي قد يُغرق المناطق الفلسطينية في كارثة، ولكن هذه المرّة اقتصادية.
الشيكل هو العملة الفعلية في الضفة الغربية وغزّة، وبسبب القيود المفروضة على الودائع النقدية من البنوك الإسرائيلية هناك تراكم أوراق الشيكل. للتراكم الحالي عدة تفسيرات محتملة: تقول إسرائيل إنه يأتي من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يشترون العقارات في الضفة الغربية، أو يودعون الشيكل في حساباتهم هناك للتهرّب من الضرائب، في حين يقول الفلسطينيون إن الإسرائيليين اليهود الذين يخشون فقدان الشيكل قيمته يذهبون إلى الأراضي المحتلة، ويشترون الذهب والدولار، ومن ثم، أصبح هناك فائض من العملة الورقية الإسرائيلية إلى درجة أن البنوك تضع حدّاً أقصى خمسة آلاف شيكل للإيداع للفرد، وتستثني من ذلك الشركات الكبيرة، مثل مزودي الوقود وبائعي السجائر.
يقول مدير البورصة الفلسطينية، سمير حليلة، أصبحت تسعة مليارات شيكل حالياً في البنوك الفلسطينية نتيجة لذلك. وأضاف في حديث خاص: "هذا يشكل عبئاً كبيراً على البنوك التي لديها مساحة مادية في الخزائن لاستيعاب ستة مليارات فقط". ويقول محافظ سلطة النقد الفلسطينية السابق، عزّام الشوا، لموقع المونيتور، إن قراراً اتخذ منذ فترة طويلة للحدّ من المبلغ الذي يمكن للبنوك الفلسطينية المرخصة إيداعه في حساباتها في البنكين الإسرائيليين. وقال: "قرّر شخص ما قبل سنوات الحدّ من المبلغ الذي يمكن لجميع البنوك الفلسطينية إيداعه بحد أقصى 1.5 مليار شيكل". ويتذكّر أنه عندما كان رئيساً لسلطة النقد الفلسطينية، كانت شاحنات مدرّعة تأخذ الأموال، وكانت سلطة النقد تحصل على ائتمان عليها بمجرّد وصولها إلى البنوك الإسرائيلية. ويجادل أن الكمية الكبيرة من النقد في الضفة الغربية تعني حالياً أنها يجب أن تدفع رسوم تأمين أعلى بكثير بسبب المخاطر الأعلى. وزعم حليلة أن جزءاً من المشكلة هو الخلاف بشأن مصدر النقد الزائد.
خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل مرتين هذا العام
يقول القائمون على البنوك الإسرائيلية إن لديهم مشكلات في قبول النقد من البنوك الفلسطينية. سبب التخوّف يعود إلى إمكانية ان يقاضيها أحد، ففي عام 2004، رفعت عائلات ضحايا هجمات لمقاتلي حماس على مدنيين أميركيين وأجانب دعوى قضائية ضد البنك العربي، الذي يملك فروعاً في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بزعم أن البنك سهّل تحويل الأموال التي موّلت الهجمات. ورغم رفض القضايا المرفوعة ضد البنك العربي في نهاية المطاف، طالبت البنوك الإسرائيلية، وحصلت على إعفاء من الحكومة الإسرائيلية يضمن لهم أن الأموال التي تتلقّاها من البنوك الفلسطينية نظيفة وغير متورّطة في تمويل الإرهاب أو غسيل الأموال. ومن ثم، البنك غير مسؤول. على مدى سنوات، جدّدت إسرائيل إعفاءً لبنكين إسرائيليين، ما سمح لهما بالتعامل مع البنوك الفلسطينية. ولكن اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش منذ أصبح وزيراً للمالية في إسرائيل هدّد بعدم التوقيع على هذه الإعفاءات. وعندما كان من المقرّر أن تنتهي صلاحية الإعفاءات في يوليو/ تموز الماضي، لم يوقع إلا بعد ضغوط من واشنطن، وتلقي تنازلاتٍ عديدة. وهذه المرّة كان الإعفاء أربعة أشهر فقط بدلاً من عام كالمعتاد خلال فترة قصيرة. "تقول إسرائيل إن السبب في ذلك شراء المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل العقارات والتهرّب من الضرائب من خلال وضع أموالهم في البنوك الفلسطينية".
ومع ذلك، يزعم حليلة أن المصدر الحقيقي للعملة الفائضة هو اليهود الإسرائيليون الذين اشتروا بشكل متزايد، بعد 7 أكتوبر (2023) الذهب والعملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو وسط مخاوف من فقدان الشيكل لقيمته. في الواقع، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل مرتين هذا العام. وفي أواخر سبتمبر/ أيلول، ذكرت سلطة النقد الفلسطينية أنها تحقق في محلات الصرافة في الضفة الغربية التي تشتري الدولار واليورو بمعدّل أعلى من السعر المحدّد، لكنها لم تقدم تفاصيل عن التحقيقات. وذكر حليلة أن إحدى الطرق لتخفيف تدفق العملة الورقية حدّدتها الحكومة الفلسطينية. "لقد حثوا محطّات الوقود على تشجيع عملائها على الدفع ببطاقات الاقتطاع بدلاً من النقد لتخفيف ضغط النقد المادي في البنوك. تفاقمت أزمة العملة الإسرائيلية الزائدة عندما أطلق سائق شاحنة أردني النار وقتل ثلاثة حراس أمن إسرائيليين على جسر الملك حسين في أوائل الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول). ويقول حليلة "منذ 8 سبتمبر، لم نتمكّن من جلب الدينار الأردني إلى فلسطين". ويطالب المسؤولون الفلسطينيون واشنطن بالتدخل لدى الإسرائيليين.
بلغت الواردات الفلسطينية من إسرائيل خمسة مليارات شيكل من السلع والخدمات، بينما جرى تصدير ما يزيد قليلاً عن مليار شيكل سنويّاً
يتفق كل من حليلة والشوا على أن الأزمة الحالية تضعف التجارة الاقتصادية والتعاون. بلغت الواردات الفلسطينية من إسرائيل خمسة مليارات شيكل من السلع والخدمات، بينما جرى تصدير ما يزيد قليلاً عن مليار شيكل سنويّاً. يزعم حليلة أن وزير المالية الذي يركز على الاقتصاد سيتدخل ويساعد في إنقاذ اقتصاد بلاده، لكن سموتريتش أيديولوجي هدفه تدمير دولة فلسطين.
الجيد من هذه الازمة أنه سيفرض إيجاد حلول محلية وإقليمية من شأنها أن تسرّع عملية فصل فلسطين عن إسرائيل. وكان أليكس عوض (فلسطيني من القدس يقيم في الولايات المتحدة) قد نشر أن من الأفضل أن يتخلص الفلسطينيون من الاعتماد على الشيكل الإسرائيلي، وأن يعتمدوا على الدينار الأردني أو يهيئوا عملة خاصة بهم. وقال حليلة لـ"مونيتورط إن الدينار والدولار وكذلك الشيكل هي العملات الرسمية المعترف بها في فلسطين. وقد قال الشوا إن هناك حاجة، من أجل تحويل الاعتماد على عملة معينة، إلى قرار من الحكومتين، الفلسطينية والأردنية، من خلال التنسيق بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الأردني، مؤكّداً أن من الممكن أن تقرر الحكومة الفلسطينية دفع جميع الرواتب بالدينار الأردني، وإجراء كثير من الأعمال العامة بالعملة الأردنية".
ويتفق حليلة مع هذا الرأي، لكنه يصر على أن هذا يتطلب أيضاً قراراً رفيع المستوى من البنك المركزي الأردني وضمان توفّر الدينار بسهولة من دون تدخل إسرائيلي. ولكي توافق الأردن على ذلك، من المرجّح أن تحتاج إلى موافقة واشنطن، لأن الدينار مرتبط رسمياً بالدولار الأميركي، وهو ما يعني أن قيمته ظلت كما هي ما دام الاقتصاد الأردني مستقرّاً. وربما يشعر الأردنيون بالقلق أيضاً بشأن انخفاض قيمة عملتهم، إذا كان هناك قدر كبير من الدينار الأردني في فلسطين.