في الوفاء لصفوت الشريف
انبرت إحدى الصحف المصرية الخاصة للدفاع عن صفوت الشريف، وزير الإعلام المصري الأسبق وآخر رئيس لمجلس الشورى في عهد حسني مبارك. الصحيفة معروفة بولائها المطلق لمؤسسات وأجهزة الأمن المصرية، وتلازمها منذ تأسيسها شائعات حول توزّع ملكيتها بين عدد من أباطرة المال والإعلام في مصر. ومن تلك الشائعات، أن نجل صفوت الشريف أحد الشركاء من الباطن في ملكية الصحيفة التي صارت تضم موقعاً إخبارياً شهيراً.
لم تكن الحجج التي ساقتها الصحيفة دفاعاً عن الرجل موضوعية، بقدر ما كانت هجوماً شخصياً على عائلة عازف الغيتار الراحل عمر خورشيد الذي لاحقت الاتهامات صفوت الشريف باغتياله مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لأسبابٍ تتعلق بعلاقة صداقة جمعت خورشيد بالممثلة الشهيرة سعاد حسني، وإصراره على وقف ملاحقة صفوت الشريف ومضايقته لها. فقد كانت حسني إحدى اللاتي وظفهن الشريف ضمن عمليات التجنيد الاستخباري والتوظيف الجنسي للفنانات خلال توليه هذا النشاط في جهاز الاستخبارات المصرية في الستينيات. وبعد أن التقى خورشيد الشريف وطالبه بلهجة تهديد صارمة أن يكفّ عن مضايقة سعاد حسني، لقي حتفه في حادث سيارة غامض ومريب.
وإثر وفاة صفوت الشريف قبل أيام، أعلنت أسرة خورشيد أنها الآن فقط ستقبل العزاء في فقيدها الذي توفي شاباً قبل أربعين عاماً. استفز هذا الإعلان "اليوم السابع" الذراع الإعلامي الدولتي/ الأمني، فتم على عجل "توضيب" موضوع يتهم عائلة خورشيد بالكذب والشماتة وتلفيق اتهامات من دون أدلة، وسلسلة من الاتهامات فبركتها الصحيفة، باستدعاء صور من جنازة خورشيد واعتبارها مراسم العزاء فيه.
اللافت في هذه القصة ليس صدق إقامة عزاء خورشيد أو كذبه، ولا صدق الاتهامات أو زيفها بمسؤولية صفوت الشريف عن مقتل عمر خورشيد ثم سعاد حسني لاحقاً، فهذه الوقائع التي يتداخل فيها الفن مع السياسة مع أدوار فيها للأجهزة الأمنية، لا تظهر حقيقتها عادة إلا بعد عقود، وربما لا تظهر مطلقاً. لكن ما يدعو إلى التأمل أن مسارعة الصحيفة إلى الذود عن سمعة الشريف، ليس سوى تأكيد ضمني لتلك الصلة الغامضة بين الصحيفة وعائلة صفوت الشريف.
أما ما يثير سخرية مُرّة، فهو المستوى الهابط شكلاً ومضموناً في الهجوم على عائلة خورشيد، فقد خلا المضمون من أي قيمة أو معلومة حقيقية، واستند إلى مغالطة مكشوفة. بينما جاء الأسلوب شديد الابتذال والتدنّي، بل افتقد إلى حد أدنى من الحرفية المطلوبة في بناء قصة صحفية أو عمل سبق إعلامي. وهنا يكمن المغزى الأعمق في تلك الواقعة المؤسفة، فتلك الصحيفة مجرّد نموذج للمنظومة الإعلامية التي أسسها صفوت الشريف على مدى 22 عاماً قضاها وزيراً للإعلام في مصر. وهو الإعلام الذي كان ينتشر ويتوسع أفقياً ويضاعف عدد الصحف والقنوات التلفزيونية، من دون أي قيمة مضافة لمضمون الرسالة الإعلامية أو شكلها، بل على العكس، كان التوسع يضيف مزيداً من التسطيح والتجهيل والتطبيل.
كما اتضح لاحقاً، ولا يزال يتضح، أن صفوت الشريف أسس شبكة كبيرة من الإعلاميين الموالين لنظام مبارك، كان عدد منهم يلعب أدواراً مرسومة بدقة، وارتدى بعضهم لسنوات قناع المعارضة، فقد رثى إبراهيم عيسى الذي اشتهر أيام مبارك بأنه معارض شرس، صفوت، ووصفه بأنه "ابن مخلص من أبناء ثورة 23 يوليو" و"عمل بنية أساسية جبارة، وكان صاحب دور كبير في ملف الإعلام". واتهم عيسى الشامتين في وفاة صفوت بالوضاعة، وقال إنهم "الإخوان ومن يسمون أنفسهم ثواراً".
وهكذا بعد عقدين من تسليمه حقيبة الإعلام، لا تزال بصمات صفوت الشريف تطغى على أدمغة الإعلام المصري وأقلامه، حتى أنه لا يزال، حقاً، إعلام صفوت الشريف.