15 نوفمبر 2024
في مسألة حسين آيت أحمد
تُرى، هل أصابت الروائية الجزائرية، أحلام مستغانمي، في سؤالها عمّا إذا أصبح التابوت صندوق الانتخابات الشعبية الوحيد الذي يصعب تزويره في بلادها، وذلك في ما كتبته عن استقبال الجزائريين جثمان الزعيم، حسين آيت أحمد، قادماً من سويسرا، الأسبوع الماضي، وتوديعهم له، وتشييعه بأعداد مهولة، في العاصمة، ثم في منطقة القبائل التي ينحدر منها؟ هل كانت الوداعية الشعبية الكبرى للمناضل التاريخي، والمعارض المزمن، محض احترام وتقدير تقليديين لرمزيته، أم إنها مثلت مناسبةً احتجاجية على السلطة الراهنة التي طالما ناوأها الراحل، وخاصمها، وهي التي لم تقصّر في التشنيع عليه، وفي رميه بأسوأ النعوت والاتهامات أحياناً؟ مما يسوّغ وجاهةً للسؤالين أن ثقة الجزائريين بالانتخابات في بلادهم شديدة الضعف، وأن إقبالهم على صناديق التصويت في مواسمها محدود. وأيضاً، أن المشيعين منعوا رئيس الحكومة، عبد المالك سلال، وعدداً من الوزراء، من المشاركة في تشييع "إلدا حسين"، كما امتنعت أسرته عن مصافحة هذا الوفد في المطار في أثناء استقبال النعش، ورفضت استخدام سيارة من رئاسة الجمهورية في المناسبة. وأمام حالة حادّةٍ كهذه من النفور تجاه الحكومة والسلطة في البلاد، لدى جمهور آيت أحمد، يبدو أن وراء إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحداد ثمانية أيام لوفاة الزعيم المعروف محاولة استرضاءٍ لمزاج الجزائريين العام، وربما شيء من "استثمار" واقعة الوفاة، بالنظر إلى دور حسين آيت أحمد في إطلاق ثورة التحرير والاستقلال، في العام 1954، وقد كان أحد قادتها التسعة الأوائل.
لا شطط في الزعم، هنا، إن عجز السلطة في الجزائر، منذ الاستقلال في 1962، عن استيعاب حسين آيت أحمد، مثل دلالةً كاشفةً على طبقات الإخفاق التي تراكمت عقوداً في البلاد، على صعيد بناء علاقة سويّة مع أطروحة التعددية، ومع بناء فضاء مدني لهذه السلطة. والمعلوم أن الراحل أخذته الخصومة السياسية مع رفيقه أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال، إلى حمل السلاح، ما دلّ، في حينه، أن معبراً آخر لحل الخلاف لم يكن متاحاً له أن ينفتح. ولكنْ، واظب آيت أحمد، تالياً، على رفضه الانقلاب العسكري على رئاسة بن بلة، ثم على رفضه أي هيمنةٍ للمؤسسة العسكرية على السلطة. ومع نزوعه المبكر إلى المعارضة، وهو الذي شكّل أول حزب جزائري معارض بعد الاستقلال، (جبهة القوى الاشتراكية)، ومع إلحاحه المبكر من أجل إعطاء المكون الأمازيغي مطرحه الواجب في الثقافة الوطنية العامة، وكذا أن تكون الأمازيغية لغةً رسمية ثانية، ومع دأبه الذي طوّره لاحقاً، في الدعوة إلى إصلاح ديمقراطي عميق في بنية السلطة والسلوك السياسي في الجزائر، مع هذا كله، وغيره، تبدّى، في وقائع عديدة، طوال خمسة عقود، أن حسين آيت أحمد صاحب خيار مغاير للنسق السياسي السائد في النظام والدولة، دلّ على ذلك أنه كان صوتاً (وحيداً ربما؟) في المضي في المسار الانتخابي، بعد نجاح جبهة الإنقاذ الإسلامية في اقتراع 1992، عندما رفض إلغاء هذه النتيجة، وعدم الذهاب بالجزائر إلى مجهول، تبيّنت أكلافه الدامية تالياً.
تُستعاد، في هذه الأيام، محطات حسين آيت أحمد، ومنها عودته من إقامته المديدة في سويسرا في 1989، ثم مغادرته الجزائر ثانية في 1992 (كانت الأولى فراراً)، ثم محاولته غير المدروسة، في خوض الانتخابات الرئاسية في 1999، قبل التراجع عنها. يُستعاد كل هذا الأرشيف، بكثيرٍ من الاحترام للموقع الخاص الذي كان للرجل في ذاكرة الجزائريين، وهو الذي بلغ تهميش أجهزةٍ في الدولة له، مرّة قبل أوبته إلى سويسرا، حد إشاعة تحرشّه بسكرتيرته (استوضحه صحافي المسألة، فطلب من الصحافي أن يسأل السكرتيرة!). والأدعى، بعد انقضاء موسم المراثي العاطفية للراحل، أن يُضاء على الجوهري في سيرته الكفاحية والسياسية، وموجزه القناعة بالإجماعات الوطنية على قاعدة الديمقراطية والتعددية. رحمه الله.
لا شطط في الزعم، هنا، إن عجز السلطة في الجزائر، منذ الاستقلال في 1962، عن استيعاب حسين آيت أحمد، مثل دلالةً كاشفةً على طبقات الإخفاق التي تراكمت عقوداً في البلاد، على صعيد بناء علاقة سويّة مع أطروحة التعددية، ومع بناء فضاء مدني لهذه السلطة. والمعلوم أن الراحل أخذته الخصومة السياسية مع رفيقه أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال، إلى حمل السلاح، ما دلّ، في حينه، أن معبراً آخر لحل الخلاف لم يكن متاحاً له أن ينفتح. ولكنْ، واظب آيت أحمد، تالياً، على رفضه الانقلاب العسكري على رئاسة بن بلة، ثم على رفضه أي هيمنةٍ للمؤسسة العسكرية على السلطة. ومع نزوعه المبكر إلى المعارضة، وهو الذي شكّل أول حزب جزائري معارض بعد الاستقلال، (جبهة القوى الاشتراكية)، ومع إلحاحه المبكر من أجل إعطاء المكون الأمازيغي مطرحه الواجب في الثقافة الوطنية العامة، وكذا أن تكون الأمازيغية لغةً رسمية ثانية، ومع دأبه الذي طوّره لاحقاً، في الدعوة إلى إصلاح ديمقراطي عميق في بنية السلطة والسلوك السياسي في الجزائر، مع هذا كله، وغيره، تبدّى، في وقائع عديدة، طوال خمسة عقود، أن حسين آيت أحمد صاحب خيار مغاير للنسق السياسي السائد في النظام والدولة، دلّ على ذلك أنه كان صوتاً (وحيداً ربما؟) في المضي في المسار الانتخابي، بعد نجاح جبهة الإنقاذ الإسلامية في اقتراع 1992، عندما رفض إلغاء هذه النتيجة، وعدم الذهاب بالجزائر إلى مجهول، تبيّنت أكلافه الدامية تالياً.
تُستعاد، في هذه الأيام، محطات حسين آيت أحمد، ومنها عودته من إقامته المديدة في سويسرا في 1989، ثم مغادرته الجزائر ثانية في 1992 (كانت الأولى فراراً)، ثم محاولته غير المدروسة، في خوض الانتخابات الرئاسية في 1999، قبل التراجع عنها. يُستعاد كل هذا الأرشيف، بكثيرٍ من الاحترام للموقع الخاص الذي كان للرجل في ذاكرة الجزائريين، وهو الذي بلغ تهميش أجهزةٍ في الدولة له، مرّة قبل أوبته إلى سويسرا، حد إشاعة تحرشّه بسكرتيرته (استوضحه صحافي المسألة، فطلب من الصحافي أن يسأل السكرتيرة!). والأدعى، بعد انقضاء موسم المراثي العاطفية للراحل، أن يُضاء على الجوهري في سيرته الكفاحية والسياسية، وموجزه القناعة بالإجماعات الوطنية على قاعدة الديمقراطية والتعددية. رحمه الله.