قاطعوا الحكومة الفاشية
تتوالى الضربات التي تتلقّاها حكومة نتنياهو داخلياً وخارجياً، خصوصا بعد انكشاف طابعها الفاشي المغرق في العنصرية، وقد عرّت بشكل كامل نوايا الحركة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني، ودفعت المنظومة الإسرائيلية إلى تآكل بنيوي بفعل انقسام داخلي شامل.
أفضل من عبّر عن النوايا الصهيونية الاستراتيجية الحقيقية وزير المالية الإسرائيلي، بتسليئل سموتريتش، الذي وصف نفسه من دون خجل بالفاشي، إذ كتب أن "إسرائيل يجب أن تُغرق الضفة الغربية بالمستوطنات الاستيطانية، والمستوطنين، وعندها سيفهم الفلسطينيون أن لا فرصة لديهم للحصول على دولة، وسيكون عليهم أن يختاروا واحداً من ثلاثة خيارات، الهجرة والرحيل، أو الرضوخ للهيمنة الإسرائيلية (نظام الاستعباد والأبارتهايد العنصري)، أو الموت".
وسموتريتش هو الذي دعا إلى إزالة بلدة حوارة من الوجود، وإلى فصل المريضات اليهوديات عن الفلسطينيات في مستشفيات الداخل، ودعا إلى إطلاق الرصاص الحي بهدف القتل على المتظاهرين الفلسطينيين، وهو الذي قال إن بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي، أخطأ عندما سمح ببقاء فلسطينيين في أراضي عام 1948، كما أسّس منظمة "ريغافيم" لمحاربة حقّ الفلسطينيين في البناء في الداخل والضفة الغربية.
سموتريتش هو ثاني أهم وزير في حكومة الاحتلال، فهو وزير المالية، ومنح منصب وزير في وزارة الجيش، ليكون فعلياً الحاكم العسكري لسكان الضفة الغربية، والوزير المدني للمستوطنين غير الشرعيين، مجسّداً نظام الأبارتهايد العنصري في الأراضي المحتلة. ولترسيخ هذا النظام يتدفق على يد هذه الحكومة الفاشية سيلٌ من القوانين العنصرية، مثل إعدام المناضلين الفلسطينيين، وسحب الجنسية منهم، وإعادة المستعمرين المستوطنين إلى أربع مستوطنات سبق أن فكّكت في الشمال.
فرصة غير مسبوقة لعزل حكومة نتنياهو الفاشية ومقاطعتها وحصارها
وتنفذ الحكومة الإسرائيلية حرفياً ما قاله سموتريتش بقرارها بناء 13 مستعمرة جديدة وعشرة آلاف وحدة استيطانية، مع قرار بمنع البناء الفلسطيني في مناطق ج التي تشكّل مساحة 62% من الضفة الغربية. وهي تنفذ عملياً خطة ضم وتهويد الضفة الغربية، وتصعّد جرائمها التي أدّت إلى استشهاد 90 فلسطينياً منذ بداية العام بمن فيهم 17 طفلاً، وامرأة مسنّة.
وتتصاعد في إسرائيل مظاهرات الاحتجاج بمئات الآلاف ضد هذه الحكومة الفاشية التي بدأت تمزيق نظام القضاء الإسرائيلي، وسنّت قانوناً لحماية نتنياهو من المحاكمة والمحاسبة على جرائم الفساد الأربع التي ارتكبها، وخلّفت شرخاً غير مسبوق في البنيان الصهيوني، وصل إلى حد إعلان ضباط وطيارين وعسكريين رفضهم أداء الخدمة الاحتياطية في الجيش، وإلى تحذير رئيس الكيان الإسرائيلي، إسحق هيرتزوغ، من انفجار حرب أهلية داخلية.
ومع تلكّؤ الحكومة الأميركية في دعوة نتنياهو لزيارة الولايات المتحدة، وقرارها مقاطعة سموتريتش في أثناء زيارته لها، بالتوازي مع قرار مماثل للحكومة الفرنسية، وترافق ذلك كله مع رفض حكومة نتنياهو استقبال وزير الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، احتجاجاً على انتقاداته توسيع المستعمرات الإسرائيلية، تتعاظم فرص تعميق العزلة الدولية للحكومة الإسرائيلية. ومع تصاعد المزايدات الفاشية لإيتمار بن غفير، الذي صنّف سابقاً عضواً في منظمة إرهابية في إسرائيل والولايات المتحدة، وأصبح وزيراً للأمن الداخلي، حدث شرخٌ آخر غير مسبوق في المنظومة الأمنية الإسرائيلية بمنعه من حضور المداولات الأمنية الحسّاسة، خشية أن يسرّبها إلى الإعلام.
إذن، نحن أمام تفتت داخلي غير مسبوق في المنظومة الإسرائيلية، وبداية عزلة خارجية واعدة بالمزيد، وتصاعد شعبي في حركة المقاطعة وفرض العقوبات على منظومة الاحتلال والأبارتهايد الفاشية، بالإضافة إلى تحطّم أحلام نتنياهو التطبيعية مع المحيط العربي بغرض عزل الفلسطينيين، على صخرة الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، ولم تستطع الإدارة الأميركية إلا أن تباركه. بالإضافة إلى إلغاء زيارة نتنياهو دولة الإمارات، التي يتفاخر بالعلاقات معها، وإعلانها نيتها وقف شراء منظومات أمنية حسّاسة من إسرائيل.
لا تفهم حكومة الاحتلال الفاشية إلا لغة القوة، ويجب أن تواجَه بالمقاطعة الشاملة، وليس باللقاءات معها
وبالتالي، فإننا نشهد فرصة غير مسبوقة لعزل حكومة نتنياهو الفاشية ومقاطعتها وحصارها. وأول المقاطعين لها يجب أن تكون السلطة الفلسطينية والمحيط العربي، خصوصاً بعد أن نسفت هذه الحكومة نتائج اتفاق العقبة بأسلوبٍ مهين، عندما أعلن سموتريتش أنه لن ينفذ ما ورد من تعهدات في العقبة، معتبراً نفسه المسؤول الأول والأخير عن توسيع الاستيطان في الضفة، أما نتنياهو فقال إن الاستيطان "سيستمر من دون تغيير في التنفيذ وفي التخطيط"، في حين قال بن غفير جملته القبيحة "ما جرى في العقبة يبقى في العقبة"، وبعد أن أمعنت الحكومة الإسرائيلية في جرائمها بارتكابها المجزرة الخامسة في الضفة الغربية منذ بداية العام في جنين.
بعد ذلك كله، هل هناك ما يبرّر منح هذه الحكومة الإسرائيلية الفاشية والمتهاوية اجتماعا في شرم الشيخ ستستغله مجدّدا للتغطية على جرائمها؟ وهل هناك ما يبرّر السماح للإدارة الأميركية بالتهرّب من واجبها في لجم الفاشية الإسرائيلية التي تتغذّى بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، وتحمي نفسها بأسلحتهم، وتتكئ في الأمم المتحدة على حماية الفيتو الأميركي، من خلال اجتماع تهدئة جديد في شرم الشيخ، لن تحترم إسرائيل نتائجه، ولن تنفذ قراراته، بل ستواصل توجيه الإهانات إلى المشاركين فيه؟
لا تفهم حكومة الاحتلال الفاشية إلا لغة القوة، ويجب أن تواجَه بالمقاطعة الشاملة، وليس باللقاءات معها.