قمّة المنامة... جعجعة بدون طحن
لم يُجانب زميلنا الصحافي في "آر تي العربية"، سلام مسافر، الصواب عندما اختصر تغطيته مؤتمر قمة المنامة الأسبوع الماضي في التغريدة التالية: "وصلوا، اجتمعوا، أولموا، تجشّأوا، ناموا، خطبوا، التقطوا الصور، وغادروا". وعلى هامش المؤتمر سأل متابع للأخبار العاجلة: "كم كلف مؤتمر المنامة من نفقات؟ أما كان الأجدى أن ينفق المال في شراء خبز وحليب لأطفال غزّة الجياع؟"، واستعاد آخر قصيدة كان شاعر عربي قد وجّهها الى القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة سابقة "ما جحدنا أفضالكم غير أنّا/ لم تزل في نفوسنا أمنية. ... في يدينا بقية من بلادٍ/ فاستريحوا كي لا تطير البقية"! وحتى عمرو موسى، الذي نظّم أكثر من قمّة لمّا كان أمينا عامّا لجامعة الدول العربية سنوات عشر، وجّه رسالة عتاب لافتة عنونها بعبارة "بأية حال عدتِ يا قمّة!".
وهكذا، كثير من التغريدات، وكثير من الأسئلة، وكثير من الرسائل، وكلها مرّت من دون إجابة، شأنها شأن قمم عقدت في الماضي، وقيل إنها تُعنى بالقضية الفلسطينية، لكن "القضية" ظهرت في مكان آخر، واستحكمت حلقاتها من دون حل، وبقي أصحاب القضية الحقيقيون في انتظار الفرج حتى لم يعد ثمة أمر يوازي هول ما يحدث اليوم على أرض غزّة، وليس ثمة حتى كلام عربي من ذوي الشأن يطمئن، ويثير الحماس للعمل، ويستفزّ العقول الغائبة عمّا يحدُث.
واستطرادا مع ما أنتجته قمم الماضي، ثمّة ما يسجل على قمّة المنامة التي تحمل الرقم 33، وهي تمثل، ولو نظريا، حاصل جمع 22 دولة، وقد انعقدت في اليوم 223 من حرب الإبادة التي يشنها الكيان الاسرائيلي على الشعب في غزّة، وبعد سقوط 35303 شهداء و79261 جريحا، وما تحمله هذه الأرقام من حيوات وآمال وطموحات وتطلعات أكبر بكثير مما حمله البيان الختامي لقمة المنامة من دعوات إلى وقف العدوان، والمطالبة بخروج القوات الإسرائيلية من جميع مناطق القطاع، ورفض الحصار المفروض عليه، إلى آخر "الكلايش" التقليدية المعروفة التي أصبح تردادها من دون نتيجة يثير الهمّ على القلب، وأقلّ ما يقال في ذلك أنها دعوات ومطالبات ترافقها الخيبة وقصر النظر، إذ لم تخرُج عن إطار الأمل في أن ترضخ إسرائيل للضغط الدولي المتعاظم فتوقف حربها "المقدّسة" في غزّة، مع أن الكل يدركون أن إسرائيل لا يمكن أن تنصاع لما يُطلب منها إلا إذا كانت "الحديدة حارّة" كما يقول إخوتنا الفلسطينيون. ولا ننسى أنها تحوّلت منذ ساعة قيامها قبل أكثر من سبعة عقود إلى غول جيو- استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وامتلكت بمرور الزمن أدوات التدمير والإبادة بفضل الغرب، وبتدبيره ورعايته، وبخاصة الولايات المتحدة التي أطلقت يدها للعبث بالمنطقة كما تشاء. ولذلك هي لا تقبل بحلّ الدولتين، ولا بالدولة الفلسطينية، بل ولا تقرّ بوجود شعب يسمّى "شعب فلسطين"، كما أنها رفضت وترفض وقف حربها على غزّة حتى آخر غزّي، وهذا ما قاله بنيامين نتنياهو بعظمة لسانه، وأردفه بالإصرار على ضرب رفح أيضاً.
لم تخرُج قمّة المنامة عن إطار الأمل في أن ترضخ إسرائيل للضغط الدولي المتعاظم فتوقف حربها "المقدّسة" في غزّة!
ومع أن إسرائيل نفسها تعرف أن مؤتمر قمّة المنامة ليس في إمكانه أن يقدّم أو يؤخّر في خططها العدوانية ضد شعب فلسطين، وأن لا شيء يحدُث بعده، إلا أن شيئاً من التوجّس بقي عندها في أن رجال القمّة، وتحت ضغط الشارع العربي، ولتسجيل موقفٍ يذكر لهم، ربما يتّخذون قراراتٍ تكون لها مفاعيلها الاستراتيجية والسياسية التي قد تُضعف من سطوتها على المنطقة، وقد تُجبرها على التنازل عن بعض ما تمسّكت به، كما خشيت أن يكون بين تلك القرارات التهديد باستخدام ورقة النفط والاقتصاد في مواجهة أميركا والغرب، إذا لم توقف حربها على غزّة، أو أن تقرّر القمّة تجميد عمل سفاراتها ومكاتبها لدى الدول العربية، أو أن تعمل على إيقاف مسيرة التطبيع معها، ولو مؤقّتا، وكل هذا بالطبع لم يحدُث، ولن يحدُث، والأسباب معروفة.
يبقى أن يُذكر أن قمّة المنامة استعادت "الثيمة" القومية التي كنّا نتغنّى بها أيام زمان، أن "فلسطين" هي القضية المركزية عندنا، وهي استعادة تُذكر فتشكر، وأن نرد الجميل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس الذي نصحنا في كلمته في القمّة بضرورة "كسر الحلقة المفرغة من الانقسام"، وحذّر من "تلاعب الأطراف الأجنبية"، ودعانا إلى "المضي معا لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة". ... والمختصر المفيد أن قمّة المنامة بإيقاع جعجعة، ولكن من دون طحن.