كاميرا امتياز دياب
مناسبة إعلان محبةٍ متجددةٍ، هنا، لصنيع امتياز دياب ذاك، وللتنويه بصلته بما مُنحت من أجله البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش "نوبل"، وقد اجتمع في كتابها "أن تكون هناك"، أننا حظينا، في الدوحة، الأسبوع الماضي، بمشاهدة فيلمها "نون وزيتون" (50 دقيقة) في عروض مهرجان الجزيرة الدولي الحادي عشر للأفلام التسجيلية، وهو فيلم ثالثٌ لها، عن فلسطين، ويقاوم المحتل الإسرائيلي بإهمال وجوده على الشاشة، والاكتفاء به كابوساً ثقيلاً وجريمة قائمة، يتصدّى لها الفلسطيني بمقامه في وطنه، وزراعته الزيتون، وبهجته بكل ما هو مفرح. والأفلام الفلسطينية التي تخلو من المآسي والبطولات والمواجهات ومن الرصاص والشهداء نادرة، والمخرجة وكاتبة السيناريو، امتياز دياب، تنصرف في المشهدية التي تنجزها في فيلمها إلى فلسطين التي يريد الغازي الإسرائيلي محوها، فتذهب إلى قرى ومخيمات وبلدات مهملة في الإعلام. إلى مسحة وبيت مرسم وجالا ويانون ومخيم عقبة جبر، يأخذ مراد (الشخصية الرئيسية) أفلاما قديمة إلى الأهالي في هذه المطارح، ليرونها في الساحات، وهي أفلامٌ شارك بعضهم فيها قبل سنوات بعيدة.
تجول كاميرا امتياز دياب على زيتون قرية يانون الذي تحاصره المستوطنات، ويستهدفه جدار الضم والنهب العنصري، وتعرّفنا بالتدمير الذي أحدثه الاحتلال في قرية بيت مرسم. وفي مخيم عقبة جبر (مسقط رأس كاتب هذه السطور)، ثمّة أم سعيد التي كانت قد شاركت في فيلم قديم عن انتظارها أشقاءها بعد الاحتلال، تتحدث وتروي. تُعاين، وأنت تسمعها، تجاعيد قسمات وجهها المعفّر بالعناء، ثم برفقة أحفادها تذهب إلى ساحةٍ في المخيم لمشاهدة الفيلم، في لقطة تختتم بها كاميرا امتياز دياب طوافَها هذا في خمس قصص فلسطينية، في فيلمها الذي استهلته بمقطعٍ من خطبة الهندي الأحمر سياتل الأخيرة إلى رئيس قبيلة واشنطن، في عام 1854، والتي يأتي فيها على الجبال والأنهار والحجارة، وتقديس شعبه لها.
يقول ذاك الهندي الأحمر "التراب مشبعٌ بدم أسلافنا، وأقدامنا العارية تنتعش بلمسته الحانية". وفيلم امتياز دياب هو عن هذه اللمسة الحانية في فلسطين، في ترابها وسمائها وزيتونها، ليس عن الدماء ولا عن الشهداء، البطولة فيه بقاء الفلسطيني في فلسطين، وحمايته ذاكرتها، إنها تلك البطولة الموحى بها في عنوان تحقيقاتها الصحافية "أن تكون هناك"، والتي ما زال مذاقها البديع في البال، وقد أيقظت لجنة جائزة نوبل للآداب انتباهاً متجدداً فينا إليها، بل رأى الشاعر المصري، عماد أبو صالح، أن الجائزة مستحقةٌ، إذن، لامتياز دياب، أو أقله لميلان كونديرا.. لم لا؟