كسّر حمامك وعدّل دستورك وعليك بالمناخ
وعلى رأي أم اللمبي، حينما أوصت اللمبي في آخر فصوص حكمتها الشهيرة من فوق الجبل: "... وخل مطوتك معاك"... هل يختلف الحال في سلطات عالمنا العربي بعد ثورات الربيع عن حال أم اللمبي؟ ففي ليبيا ترى في الصورة "حفتر ومعه المطواة بالوكالة"، وخلف كتفه سيف الإسلام القذافي، من دون أن تتأكد أو تتيقن، إن كانت كتف خليفة حفتر مجرّد تمهيد وفاتح شهية سيف الإسلام القذافي، أم كتف سيف الإسلام مجرّد تخويف، وتمهيد أيضا لحفتر، أم أن الكتفين معا "إشارة واضحة ومعلنة" أنهما هما الورثة لتركة القذافي غير المعلنة، داخل بركة جهنمية تحرسها القاهرة وعساكرها وبرلمان ليبي يمرح فيه عقيلة صالح "بأوامر مرسومة ومخطّط لها"، ما بين السلوم وبني غازي، وخلف الأكمة بالطبع أحمد قذاف الدم في القاهرة يباشر عمله في القنوات الفضائية مع مصطفي بكري مساء "حينما تتعقّد الخيوط"، والسودان هناك يتعثّر في "مونتاج فيلمه الشبيه"، والذي لا يختلف كثيرا عن "الفيلم القصير" لقيس سعيّد، وغير المصروف عليه من المنتج جيدا، علاوة بالطبع على الإخراج السيئ جدا، ولا حرم الله، السودان وقيس سعيّد من لمسات المخرج المصري خالد يوسف أبدا، بكاميراته من فوق الجموع والحشود الخارجة بعد المغارب.
الأغراض كلها متشابهة في تكسير الحمام وتعديل الدستور، أو وقف العمل به، أو انتهاء العمل به، أو ركنه بشكل مؤقّت، سواء بانقلاب قيس سعيّد "الناعم"، أو "بـ 30/ 6"، أو "بانقلاب مصنوع ليلا بغير حرفية في السودان"، في يوم التصويت في برلمان ليبيا على "ركن الحكومة"، فسبحان الله، على من جمع "كتفين غير قانونيتين"، في ليلة واحدة في كل من ليبيا والسودان، وبادر قيس سعيّد، بالإعلان عن تغيير الدستور أيضا بسرعة شديدة.
أفراح جماعية متسارعة ومتّفق عليها. هناك مقاول شاطر جدا، في الخلفية، والسيراميك موجود، والعمالة متوافرة، والأسمنت متوافر، وأكوام الرمال تملأ الصحراء ما بين تلك البلدان، والإعلام جاهز و"دكاترة" القانون الدستوري طوع البنان، والإشارة. نحن نشاهد مسرحيات شبه صبيانية، يعوزها الصبر في الإخراج. أما الديكورات فهي سريعة جدا، وبدائية كملاءات الأسرة وبعض كراسي المقاهي الرخيصة، والإضاءة غالبا تعتمد على الكشّافات البدائية واللمبات المضحكة، وجمهور قليل يضحك كمدا، أو سخرية، أو نكاية، أو من افتقار الحكايات كلها للخيال، بعد ما استهلك كل تلك المشاهد خلال أكثر من تسع سنوات، لم يتغّير فيها أي شيء أبدا.
هذا عن أمر الداخل، لا يختلف في قليل أو كثير عن حكمة أم اللمبي "خل مطوتك معاك". أما أمر الخارج، فسهلٌ وجميل، شركات دعاية أجنبيّة، شراء سلاح، أزياء عصرية جديدة، إعلان تقشّف، ديون خارجية، خطب رائعة مكتوبة عن كيفية التعامل مع المناخ، والتضافر الإنساني، لمواجهة الخطر والتعامل الصالح مع البيئة، والتحذيرات من أخطار حروب المياه، والخوف من المجاعات القادمة، ومشاريع تنموية لإنقاذ أطفال الشوارع... إلخ. أما الإرهاب وخطره وتخويف أوروبا من الهجرات ومراكب الموت والبحر وخطورتها على الحضارة، فحدّث ولا حرج، فهذا هو ملعبك الوحيد، حتى وإن أغلقت كل ملاعبك بالضبّة والمفتاح أمام الجماهير. المهم ألا تنسى أن تسقي نجيل الملاعب كل يوم، كي تكون الملاعب جاهزة "للدموع وضيوف قواتك المسلحة كي يصفقوا أو يصمتوا حينما تقول أدعية رمضانية تنافس فيها الشيخ النقشبندي نفسه"، حتى وإن لم يصدّق الغرب ذلك وأنت في زيّك العصري في الفنادق تتسوّل لقاء مع قناة مهمة، وأنت في أشد الحيرة أمام ثقافتك المحدودة، فتعود تكرارا ومرارا، أن تلوك في كل مناسبةٍ لبانة الإرهاب تلك، ولا تملها أبدا، فهي أكثر جدوى من مطواة اللمبي نفسه، ومع توضيح خطرها عليهم أولا بالطبع وعلى الزرع والأسماك والبحر والورد والطفولة والصحة والعصافير والقمري واليمام.
بالطبع، سيظهر هناك، في الغرب، من هم على دراية بما يحدُث في بلادك، سواء من حوادث الاختفاء القسري، أو بناء السجون، أو الآلاف داخل السجون، وخصوصا من "جماعات حقوق الإنسان" هناك، وهذا كله أمرُه سهل وبسيط. المهم أن تبتسم وأنت تجيب، وتقول له مازحاً: "طيب أنت معزوم عندنا في سجن العقرب شديد الخطورة كما تقول، وستأكل من بط سجون المزارع هناك، وتأخذ أيضا معك للمدام إن رغبت". ثم تضحك ضحكة عريضة جدا، وتأخذ تصفيقة طويلة من بعض الموجودين معك فيما بين الصفوف هناك، ثم تمسح عرقك وتقول: "الديمقراطية يلزمها أولا تقليب التربة، حتى يجود المحصول على الجميع بالبركة حاكما ومحكوما"، وإن أسعفتك البديهة بآيةٍ كريمةٍ فقلها تخدم المنطق والموضوع، وإن لم تجد في الأوراق التي كتبت لك، فاضحك، كي تظهر طيبا وجميلا، وإن أردت الموقف يزداد سخونة، فقدّم للسائل وردة، واضحك ضحكة تهز القاعة هزّا وقل له مبتهجا: "هي والله من ورد الشيخ المبروك مبروك عطية أرسلها إلي مع الإعلامي شريف عامر".