لبنان إلى انتخابات بقاء الوضع على حاله

16 ابريل 2022
+ الخط -

أعلن وزير الداخلية اللبناني، بسام المولوي، انتهاء مهلة تسجيل اللوائح للانتخابات النيابية المقرّر انتظامها في 15 الشهر المقبل (مايو/ أيار)، حيث سجلت الوزارة 103 لوائح، وذلك بزيادةٍ كبيرةٍ عن العام 2018 حيث بلغت اللوائح 77. ولافتٌ أن نسبة مشاركة المرأة في الترشّح بلغت رقمًا قياسيًا في لبنان لتصل إلى 118 امرأة في اللوائح الانتخابية، وهذه أكثر مشاركة نسائية بالانتخابات.

وقد أكّد رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، أن العملية الانتخابية واقعة في موعدها المعلن لا محالة، وقال "كل كلام وتشكيك في عدم حصول الانتخابات في موعدها مجرد تحليلات، لأنها مطلب لبناني قبل أن يكون مطلب أصدقاء لبنان". وقد ترافق هذا التأكيد مع النسبة العالية من تسجيل اللوائح، وتشغيل مولدات الماكينات الانتخابية، وهذا ما يؤكّد حدوث الانتخابات في موعدها، رغم أنّ كثيرين تخوّفوا من تطييرها، رادّين ذلك إلى أحداث أمنية كبرى أو إلى تكتيكات لوجستية، في مقدمتها الشحّ في المالية العامة للدولة، وإضراب موظفي القطاع العام المولج بالإشراف على العملية الانتخابية وإجرائها. أما نسبة مشاركة المرأة في الترشّح فأكثر من لافتة، وهذا دليل على ارتفاع نسبة الوعي في الذهنية اللبنانية، عبر ترشح المرأة وتثبيت حضورها بعيدًا عن الذكورية المعهودة.

تحالفاتٌ هجينةٌ لا تلتقي إلا على تأمين الحواصل الانتخابية لهذا الفريق أو ذاك

أمام حفاوة التحضيرات، والتصاريح عالية النبرة التي يتراشق فيها المرشّحون، ويتقاذفون مسؤولية انهيار البلاد ذات الشمال وذات اليمين، جاء تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي بأن "الدولة أفلست والخسارة وقعت" كالصاعقة على مسمع اللبنانيين. ولكن يبدو أن صوت الماكينات الانتخابية كان أعلى من صوت الشامي، وحماسة الجماهير الناخبة المبرمجة لم تكترث لما قاله، وكأنه بالنسبة إليهم يتحدّث عن جزيرة الماو ماو، وهنا الخطورة.

في مختلف الدول، يدلي المقترع بصوته لمن يقدّم له برنامجًا يحدّد من خلاله رؤيته المستقبلية إلى السياستين، الداخلية والخارجية، يعالج فيه الأوضاع الاقتصادية، ويقدّم الضمانات الاجتماعية، ويطرح حلولًا للأزمات الناتجة عن الهجرة، عن البطالة، وعن التضخّم. أما في لبنان، فإن المقترع ينتخب حزبيًا، عقائديًا، دينيًا، وليس وطنيًا. لهذا لا يحتاج المرشّح لبرنامج انتخابي، ولا لاعتماد فن الخطابة الإقناعي، إذ مهما فعل أو مهما قال، فالناخب غير آبه لذلك.

اللافت في لبنان أن التحالفات الانتخابية لم تضم أحزابًا تتنافس على برامج انتخابية مشتركة، ولا تجتمع على نظرة رؤية إلى أي لبنان تريد، بل هي تحالفاتٌ هجينةٌ لا تلتقي إلا على تأمين الحواصل الانتخابية لهذا الفريق أو ذاك. هي تحالفاتٌ دونكيشوتية تجعل هم الكتل الرئيسي تجميع أعداد أكبر من النواب في كتلتها البرلمانية، ليس لأجل تطبيق مشروعها، لأنها بالأصل لا مشروع لديها، بل لأجل تثبيت حضورها في الحياة السياسية، التي لم تعرف بعد اتفاق الطائف شكلًا طبيعيًا لمفهوم الدولة الحديثة؛ بل جلّ ما كانت عليه تقاسم مغانم، وتوزيع المحاصيل، وتكريس مبدأ المحسوبيات على حساب الكفاءة.

الشعبوية في الخطاب الانتخابي هي سيدة الخطابات

لأنّ الشعبوية في الخطاب الانتخابي هي سيدة الخطابات، ولأن اللعب على وتر العصبيات هو المطلوب في تلك المرحلة المتبقية قبل الاستحقاق، تقول مصادر متابعة إنه ربما يصار إلى تمرير بعض المشاريع التي تحاكي طلبات وفد صندوق النقد الدولي الذي يجول في لبنان، في مقدمتها المشروع المعدّل من الحكومة "الكابيتال كونترول". ويجرى ترحيل ملفّات، في مقدمها الموازنة، الى "ما بعد الانتخابات" لتفادي الشعبوية في مناقشتها على طاولة اللجان، الأمر الذي قد ينعكس على شعبيتهم الناخبة.

توحي مواقف القوى السياسية التي تخوض الانتخابات النيابية بأن لبنان ذاهب إلى حرب أهلية أو تصفيات أو اختزال أو إلغاء لقوى سياسية، نتيجة حدّة الخطاب السياسي الذي يظن سامعه أن الانتخابات ستغيّر وجه لبنان وتاريخه وتوازناته وكل الموبقات فيه، والتي هي من صنع المتبارين الآن أنفسهم، عندما كانوا تحت سقف واحد وعلى طاولة واحدة في مجلس النواب والوزراء وفي جلسات الحوار الطويلة، وعندما عقدوا الصفقات والتفاهمات والاتفاقات فيما بينهم لتقسيم مغانم السلطة.

الانتخابات ستعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها لأربع سنوات مقبلة

نادرًا ما قدّمت إحدى القوى السياسية برنامجًا فعليًا لإنقاذ البلاد والعباد مما تتخبطّ فيه، وكل ما يقدّمونه في حملاتهم الانتخابية مجرد عناوين عامة فارغة المضمون. المشكلة عندهم لا تكمن في كيفية إقناع الناخب بالتصويت للوائحهم، بل في كيفية تأمين الحواصل لحجز مقاعد إضافية في البرلمان. هذا فيما احتل لبنان المركز ما قبل الأخير في "تقرير السعادة السنوي" الذي يصدر بإشراف الأمم المتحدة، فالبلد الذي يعاني من "حزمة" أزماتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ واجتماعية، وحتى أمنية، منذ حوالي ثلاث سنوات، وصلت فيه نسبة الفقر إلى حدود خيالية، في وقت ارتفع فيه سعر صرف الدولار بصورة قياسية، وانخفضت قيمة العملة الوطنية، سيذهب فيه الناخبون إلى صناديق الاقتراع نهار 15 مايو/ أيار، ويعيدون انتخاب الطبقة نفسها التي أوصلتهم إلى التعاسة أربع سنوات مقبلة، لإعطائها فرصة علّها تنجح في وضع لبنان في المركز الأخير من تقرير معهد غالوب للإحصاءات.

أخيرًا، يطبق السياسي في لبنان المثل "كما يريد الفاخوري يركب دينة الجرّة"، هذا ما ينطبق على واضعي (ومشرّعي) القانون الانتخابي الذي يفصّل على قياس كل زعيم في منطقته. من هنا يستحيل تسجيل خروق كبيرة في هذه الدورة الانتخابية، وسيبقى الوضع على حاله طالما الانتخابات ستعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها لأربع سنوات مقبلة.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب