19 أكتوبر 2024
لبنان والإيقاع السعودي
يزداد المشهد العام للنظام العربي في المشرق العربي وضوحاً، يوماً بعد آخر. من تفاصيله، غير المغبرّة بالتشوش المعلوم، أن إيقاعاً مختلفاً طرأ عليه، منذ تولّى الحكم في السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل أزيد من عام. والظاهر أنه لا نية لدى فاعلين نافذين في لبنان للتعامل مع هذا المستجدّ بغير المعهود فيهم ومنهم، أي المكابرة والمناطحة، أياً تكن الأكلاف التي يدفعها لبنان وأهلوه. موجز هذا الإيقاع أن مماشاة النشاط الإيراني في إلحاق غير بلد عربي بطهران، وكذا مهادنته، لم تعد خياراً سياسياً في الرياض. وإذا كانت الإمكانات والحقائق الماثلة لا تسمح، في مطارح معيّنة، بالتصدّي لهذا النشاط، فإن في وسع المملكة أن تقوم بما تستطيعه في مطارح أخرى، وهو كثير، إلى أن يصبح في مقدورها أن تجترح ممكناتٍ ميسورةً في هذه المطارح. وهذا سفيرٌ للسعودية في بغداد، اسمه ثامر السبهان، يبدأ عمله هناك ببقّ البحصة، وأول الحرب كلام.
ليست التفاصيل هي الأدعى للفحص والاختبار، من قبيل أن اجتماعاً للحكومة اللبنانية، قيل إنه استغرق خمس ساعات، وخرج بالبيان الذي ناصر العربية السعودية، وأكد انتساب لبنان إلى الإجماع العربي. الأوْلى بإنعام النظر فيه أن الرسالة التي تبعثها الرياض إلى من يهمه الأمر لم تنتظر بياناً حكومياً، ولا توقيع عرائض، ولا إشهار زجليات وخطابات، فالذين قاموا بهذا كله ليسوا من توجهّت إليهم الرسالة، والظاهر أنها لم تصل بعد إليهم. إنها، بإيجاز، تُخبر هؤلاء أن للمكاسرة السعودية مع إيران وجوهاً غير قليلة، وربما لاحقاً غير متوقعة، والملعب متاحٌ لمن يريد اللعب، وكلٌّ بشروطه، وعلى كل طرفٍ أن يدّرب نفسه على استقبال النتائج والزوابع.
عندما يُحارب حزب الله في سورية، انتصاراً للنظام القاتل في دمشق، لا يضع نفسه في مواجهة الثورة وقواها في هذا البلد فقط، بل إنه يحدّد أيضاً وجهته الانتحارية، وهذه من تفاصيلها إسناد الحوثيين في اليمن، والمجاهرة باصطفافٍ مذهبي اللون في البحرين، ثم، كما أوحى زعيم الحزب، حسن نصر الله، قبل أيام، إن مستقبل السعودية نفسه مطروح قدامه أيضاً. وحين تبلغ الصراحة مدىً مثل هذا، فإن الوضوح السعودي في التراجع عن منحةٍ سخيةٍ للجيش وقوى الأمن اللبنانييْن لن يُكتفى في التعامل معه ببيانٍ حكومي، وزيارةٍ مرجحةٍ يقوم بها تمام سلام إلى الرياض. وهذه الزيارة، معطوفة على البيان، وموصولة بالحجيج إلى السفارة السعودية، كلها وغيرها تعني أن الأداء اللبناني العام ما زال على كلاسيكيّته، فيما الإيقاع السعودي يمضي، في اندفاعةٍ معلنة، نحو رهاناتٍ تخرج كثيراً عن ذلك اللين والحذر والتحفظ والتحسب في بناء المواقف وتظهيرها في سياسةٍ خارجيةٍ، صارت تتوسّل العمل العسكري، عند الضرورة، واحداً من أدواتها. ثمّة تحالف وتنسيق مضطردان مع تركيا، ثمّة تلويحٌ بتدخل بري في سورية، ثمّة عزمٌ على مواصلة عملية الحزم في اليمن، على الرغم من عثراتها وتكاليفها، حتى النهاية، ثمّة سفارة سعودية في بغداد تتحسّس عموم الصورة هناك، ثمّة انصرافٌ محسوبٌ عن مصر عبد الفتاح السيسي، إلى أن ينضج "شيء ما".
في هذه الغضون، لا تنام إيران في العسل، وقد صار وزير الخارجية الأميركي وسيطاً بينها وبين خصومٍ لها، تُحاول، بإشاعة لغةٍ هادئة، أن ترمّم ما ترغب ترميمه، ويكتب وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، في غير جريدة عربية وأجنبية، مقالاتٍ ظريفةً في "رسوليّتها" ووداعتها وحمائميتها. ولا يبدو أن الرياض في وارد الاكتراث بهذا كله، لأن الخطير الذي لا تحجبه هذه المبتكرات أن إحداث إيران ضجيجها ذاك، بعد إعدام سلطات الرياض مواطناً سعودياً شيعياً، من بين أكثر من أربعين ليسوا شيعة، تجرؤٌ فيه من مقادير التجاوز ما لا يمكن التسامح معه، ولا الاكتفاء بشيء من الزّعل بصدده. أما أن تدحرجاً جرى، بعد ذلك، إلى ما نرى وما نسمع، فذلك لأن لكلّ فعل ردّا عليه أكثر وقعاً وأمضى أثراً، في لبنان، وفي غيره إنْ أمكن.
ليست التفاصيل هي الأدعى للفحص والاختبار، من قبيل أن اجتماعاً للحكومة اللبنانية، قيل إنه استغرق خمس ساعات، وخرج بالبيان الذي ناصر العربية السعودية، وأكد انتساب لبنان إلى الإجماع العربي. الأوْلى بإنعام النظر فيه أن الرسالة التي تبعثها الرياض إلى من يهمه الأمر لم تنتظر بياناً حكومياً، ولا توقيع عرائض، ولا إشهار زجليات وخطابات، فالذين قاموا بهذا كله ليسوا من توجهّت إليهم الرسالة، والظاهر أنها لم تصل بعد إليهم. إنها، بإيجاز، تُخبر هؤلاء أن للمكاسرة السعودية مع إيران وجوهاً غير قليلة، وربما لاحقاً غير متوقعة، والملعب متاحٌ لمن يريد اللعب، وكلٌّ بشروطه، وعلى كل طرفٍ أن يدّرب نفسه على استقبال النتائج والزوابع.
عندما يُحارب حزب الله في سورية، انتصاراً للنظام القاتل في دمشق، لا يضع نفسه في مواجهة الثورة وقواها في هذا البلد فقط، بل إنه يحدّد أيضاً وجهته الانتحارية، وهذه من تفاصيلها إسناد الحوثيين في اليمن، والمجاهرة باصطفافٍ مذهبي اللون في البحرين، ثم، كما أوحى زعيم الحزب، حسن نصر الله، قبل أيام، إن مستقبل السعودية نفسه مطروح قدامه أيضاً. وحين تبلغ الصراحة مدىً مثل هذا، فإن الوضوح السعودي في التراجع عن منحةٍ سخيةٍ للجيش وقوى الأمن اللبنانييْن لن يُكتفى في التعامل معه ببيانٍ حكومي، وزيارةٍ مرجحةٍ يقوم بها تمام سلام إلى الرياض. وهذه الزيارة، معطوفة على البيان، وموصولة بالحجيج إلى السفارة السعودية، كلها وغيرها تعني أن الأداء اللبناني العام ما زال على كلاسيكيّته، فيما الإيقاع السعودي يمضي، في اندفاعةٍ معلنة، نحو رهاناتٍ تخرج كثيراً عن ذلك اللين والحذر والتحفظ والتحسب في بناء المواقف وتظهيرها في سياسةٍ خارجيةٍ، صارت تتوسّل العمل العسكري، عند الضرورة، واحداً من أدواتها. ثمّة تحالف وتنسيق مضطردان مع تركيا، ثمّة تلويحٌ بتدخل بري في سورية، ثمّة عزمٌ على مواصلة عملية الحزم في اليمن، على الرغم من عثراتها وتكاليفها، حتى النهاية، ثمّة سفارة سعودية في بغداد تتحسّس عموم الصورة هناك، ثمّة انصرافٌ محسوبٌ عن مصر عبد الفتاح السيسي، إلى أن ينضج "شيء ما".
في هذه الغضون، لا تنام إيران في العسل، وقد صار وزير الخارجية الأميركي وسيطاً بينها وبين خصومٍ لها، تُحاول، بإشاعة لغةٍ هادئة، أن ترمّم ما ترغب ترميمه، ويكتب وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، في غير جريدة عربية وأجنبية، مقالاتٍ ظريفةً في "رسوليّتها" ووداعتها وحمائميتها. ولا يبدو أن الرياض في وارد الاكتراث بهذا كله، لأن الخطير الذي لا تحجبه هذه المبتكرات أن إحداث إيران ضجيجها ذاك، بعد إعدام سلطات الرياض مواطناً سعودياً شيعياً، من بين أكثر من أربعين ليسوا شيعة، تجرؤٌ فيه من مقادير التجاوز ما لا يمكن التسامح معه، ولا الاكتفاء بشيء من الزّعل بصدده. أما أن تدحرجاً جرى، بعد ذلك، إلى ما نرى وما نسمع، فذلك لأن لكلّ فعل ردّا عليه أكثر وقعاً وأمضى أثراً، في لبنان، وفي غيره إنْ أمكن.