لكلّ رئيس من الأزمة نصيب
منذ انخرطت الولايات المتحدة في شؤون العالم بعد الحرب العالمية الثانية، غدا لكل رئيس أميركي أزمة دولية (أو أكثر) ارتبطت باسمه وحدّدت مصير رئاسته. في عام 1948 واجه الرئيس هاري ترومان أول امتحان دولي كبير، عندما فرض الاتحاد السوفييتي حصارا على قوات الحلفاء في برلين، اضطرّت على إثرها الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إنشاء جسر جوي لإيصال الإمدادات إلى قواتهما المحاصرة في المدينة. استمر الحصار 15 شهرًا، وتمكّن ترومان من تجاوزه بطريقة سمحت بإعادة انتخابه عام 1948. في 1956 واجه الرئيس دوايت إيزنهاور أزمة السويس وحربها التي كادت تشعل مواجهة عالمية، بعد أن هدّد السوفييت بضرب لندن وباريس بالسلاح النووي إذا لم توقفا عدوانهما على مصر، وقد أمكن لإيزنهاور احتواء الأزمة، بعد أن أجبر دول العدوان على الانسحاب. رئاسة جون كيندي القصيرة واجهت أزمات دولية عديدة، بدأت بأزمة جدار برلين عام 1961، لكن أخطرها أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والتي جاءت بعد فشل محاولة غزو كوبا وإسقاط حكومة فيدل كاسترو الحليفة للسوفييت في العام الذي سبقه. كادت الأزمة تشعل حربا بين القوتين العظميين، وتسببت بشرخ عميق في علاقة الرئيس كيندي بجنرالات الجيش الأميركي. انتهت رئاسة كيندي باغتياله في العام التالي. الرئيس ليندون جونسون، نائب كيندي، اضطر الى التخلّي عن طموحاته في الحصول على ولاية جديدة بسبب حرب فيتنام، وتسليمه بصعوبة تحقيق نصر فيها. الرئيس ريتشارد نيكسون غرق أيضا في أوحال حرب فيتنام التي توسعت في عهده لتشمل كمبوديا ولاوس، وأورثها، بعد استقالته بسبب فضيحة ووترغيت، لنائبه جيرالد فورد الذي ارتبط اسمه بالهزيمة هناك، واختصرتها صور المروحيات الأميركية، وهي تحاول إخلاء موظفي السفارة في سايغون، عاصمة جنوب فيتنام، عبر سطح البناء، فيما كانت قوات الشمال تتقدم نحوها.
الرئيس جيمي كارتر واجه أزمتين كبيرتين في ولايته الرئاسية اليتيمة. الأولى أطاحت شاه إيران، أبرز حلفاء واشنطن في منطقة الخليج، وبلغت ذروتها باقتحام السفارة الأميركية في طهران وأخذ الدبلوماسيين رهائن. فشل كارتر في إطلاق سراح الرهائن بالقوة أو المفاوضات، وتبين لاحقا أن فريق خصمه الجمهوري، رونالد ريغان، أبرم صفقة مع حكومة الخميني قضت بتأخير إطلاق سراح الرهائن إلى ما بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 1980 الرئاسية، في مقابل تزويد إيران بأسلحة تساعدها في حربها ضد العراق. الأزمة الثانية التي واجهها كارتر تمثلت بالغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، والذي أنهى حقبة الانفراج الدولي وأطلق ما يسمى في الأدبيات السياسية بالحرب الباردة الثانية (1979-1989).
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس ريغان أحرزت نصرا تاريخيا على الشيوعية ودفعت الاتحاد السوفييتي إلى الانهيار، بيد أن فضيحة "إيران غيت" هزّت أركانها، عندما حصلت وسائل إعلام على تفاصيل خرق الإدارة حظر السلاح المفروض على إيران وتزويدها بأسلحة عن طريق إسرائيل، ثم تحويل ثمنها إلى متمرّدي الكونترا الذين تدعمهم واشنطن لإطاحة حكومة الساندينستا الحليفة لموسكو في نيكاراغوا في مقابل إطلاق سراح سبعة رهائن أميركيين يحتجزهم حزب الله في لبنان.
في عام 1990 واجه الرئيس جورج بوش الأب الغزو العراقي للكويت، وقاد أكبر عملية تدخل عسكري أميركي بعد الحرب العالمية الثانية، أنهت عمليا "عقدة فيتنام"، لكن الناخب الأميركي لم يفهم أبدًا مصلحة بلاده في خوض حربٍ من أجل بلد صغير لا يعرف عنه شيئا في منطقة الخليج، فانتهى بوش بولاية رئاسية واحدة. أما الرئيس بيل كلينتون فقد طاردته حروب يوغسلافيا السابقة خلال ولايتيه، إذ واجه أزمة البوسنة في ولايته الأولى وأزمة كوسوفو في الثانية. جورج بوش الابن واجه هجمات سبتمبر 2001 وأطلق إثرها سلسلة حروب خارجية، ورثت تداعياتها الكارثية الإدارات التي جاءت بعده. باراك أوباما بدأ ولايته الأولى بالأزمة المالية العالمية، فيما واجه في الثانية الأزمة السورية التي مثّل فشله في التعامل معها لطخة سوداء في سجله الرئاسي. أزمة وباء كورونا كانت من نصيب دونالد ترامب، وتسببت في خسارته الانتخابات الرئاسية. حصة الرئيس بايدن من الأزمات ستكون وافرة على الأرجح، في ضوء تعامله مع أزمة أفغانستان، والتي يرجّح أن تولد، بطريقة تعاطيه معها، أزمات أخرى عديدة قد تكون إيران أولها.