ليس بعد عدن إلا سَيْئون
قبل شهرين تقريبًا، نفت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أن لديها نية لاتخاذ مدينة سَيْئون، في قطاع الوادي والصحراء في محافظة حضرموت، عاصمة سياسية مؤقتة، عوضًا عن مدينة عدن الساحلية، جنوبي البلاد، والتي يفترض أن تكون عاصمة مؤقتة، عوضًا عن صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ انقلاب عام 2014، لكنها (عدن)، هي الأخرى، وقعت تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي) الموالي للإمارات، منذ انقلابه على هذه الحكومة عام 2019. غير أنَّ اللافت، خلال هذه الأيام، ما تشهده سيئون من تحركات حثيثة لمسؤولين أمنيين وعسكريين، موالين للرئيس عبد ربه منصور هادي، على نحو يشي بالاستعداد لإيجاد وضعٍ أمني خاص، يتيح للحكومة المعترف بها دوليًا، ولمسؤولي بقية سلطات الدولة، سيَّما التشريعية والقضائية، العودة من خارج البلاد، لممارسة وظائفهم، وتأدية مَهمَّاتهم المختلفة، إلى حين الانتهاء من معالجة المعضلة العسكرية والأمنية في عدن. ففي هذا الصدد، ومنذ وصوله إلى سيئون، قادمًا من عدن، نهاية إبريل/ نيسان الفائت، يقوم وزير الداخلية والأمن، اللواء إبراهيم حيدان، بنشاط واسع، يتعدَّى وظيفته ومهماته الأمنية؛ حيث التقى قيادات السلطة المحلية، وزار مطار المدينة الذي يجرى تعزيز قدراته، لتوسيع نشاطه في مجال النقل الدولي، مع ما كشفت عنه تحرّكاته من تنسيق أمني غير معهود، بين قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، ووحدات الجيش المتمركزة في قطاع الوادي والصحراء من محافظة حضرموت، التي يدين قادتها بالولاء للرئيس عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر.
قد تكون مدينة سيئون مكانًا ملائمًا لعودة رئيس الحكومة وأعضائها واستقرارهم وبقية مسؤولي سلطات الدولة الثلاث
مؤقتًا، قد تكون مدينة سيئون مكانًا ملائمًا لعودة رئيس الحكومة وأعضائها واستقرارهم وبقية مسؤولي سلطات الدولة الثلاث، إذا ما كانت التهيئة الأمنية والإدارية للمدينة قادرة على إحداث تحول جوهري في هذين المجالين، وأن يحظى قرار عودة هؤلاء بدعم السعودية وتأييدها. وكذلك سيكون مفيدًا أن يبادر الرئيس عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، أو أي منهما، بالعودة إلى سيئون، غير أنّ هذه المبادرة ربما لن تكون متاحةً في القريب العاجل، على الرغم من أهميتها في سياق الانتقال إلى النظام الاتحادي، المتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل عام 2014.
مؤكّد أن تحولًا من هذا القبيل لن يكون ماثلًا بين عشية وضحاها، لكن الحاجة إليه تُلزم القوى الوطنية المخلصة بأن تثابر في سبيل تحقيقه، بالاستفادة من المقوّمات الاستراتيجية والجيوسياسية لمدينة سيئون، ومن ذلك سيطرتها على عقدة الربط والاتصال الأرضي والجوي بين محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان شرقًا ومأرب والجوف غربًا، ومدينة (ميناء) المُكلَّا عاصمة حضرموت جنوبًا، فضلًا عن الحال نفسه مع السعودية من جهة الشمال. يُضاف إلى ذلك، بُعدها، نسبيًا، عن تهديد الصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة التي باتت السلاح الأخطر لدى الحوثيين، وإنْ كانت هذه المسألة تستدعي وجود منظومة دفاع جوي احتياطية متقدّمة، تقلل من احتمالية هذا التهديد، وكذلك ما تتمتّع به وحدات القوات المسلحة المتمركزة في المنطقة العسكرية الأولى، في قطاع الوادي والصحراء في حضرموت، من قدراتٍ ماديةٍ وبشرية مصونة، نتيجة بُعدها عن مناطق التماسّ المباشر مع الحوثيين، ومع الجماعات المسلحة الأخرى المناوئة للحكومة.
سيكون مفيدًا أن يبادر الرئيس هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، أو أي منهما، بالعودة إلى سيئون
قد يمثِّل نقل الحكومة وأجهزة السلطات الأخرى إلى مدينة سيئون، تسليمًا بالأمر الواقع المفروض في عدن، من المجلس الانتقالي الجنوبي، وتحفيزًا له لتصعيد مطالبه الانفصالية، والاستمرار في إضعاف فرص عودة الحكومة إلى عدن. لكنّ، كذلك، يُعد منطلقًا جديدًا لمواجهة خصومها، بواسطة قواتها المسلحة، أو بالطُّرق السلمية، وفقًا للمرجعيات التي تتشبث بها، مع ما يمكن أن يشكله ذلك من أهمية، إذا ما قرّر التحالف التخلي عن الحكومة، والانسحاب كاملًا من البلاد.