16 نوفمبر 2024
ماذا بعد الاحتيال الكبير في الإمارات؟
رحم الله الروائي المصري، محمد البساطي. .. لمّا انكشفت تفاصيل بضعة ملايين من الدولارات أنفقها رجل أعمال مصري على هداياه لمغنيةٍ لبنانيةٍ حسناء، قبل أن يدبّر جريمة قتلها في دبي، قبل نيّفٍ وعشر سنوات، قال إن الحكاية تحتاج دوستوفسكي ليكتبها. أما الذي نُشر أخيرا، على محدوديّته، عن احتيال الملياردير الهندي، بي آر شيتي (76 عاما)، على 12 بنكا كبيرا في الإمارات، باقتراض 6.6 مليار دولار منها، ثم يفرّ إلى بلده قبل أزيد من شهر، فإن قريحةً مثل التي كان الكاتب الروسي يحوزُها قد لا تقدر على كتابة شيء عن هذا، ربما لأن مخيّلات الأدباء لا تنجذب، غالبا، إلى التعقيدات العويصة المتصلة بأموال بنوكٍ تُنهب بالاقتراض، أو تُقترض بالنهب، غير أن سيرة المحتال هذا تتوفّر على أسبابٍ تغوي بكتابتها قصةً، تصلح للسينما ومسلسلات الدراما، أكثر مما تنفع لأهل التجريب في فن الرواية، من قبيل ما كان يفعل إدوار الخراط مثلا .. جاء شيتي إلى أبوظبي، وعمرُه 19 عاماً، وفي جيبه روبياتٌ بقيمة ثمانية دولارات، على ما قال مرّة، ثم اشتغل بائع أدوية، قبل أن يمتلك صيدلية، ثم يستأجر غرفةً جهّزها عيادة تعمل فيها زوجته الطبيبة، لتزبط حظوظُه وشطارتُه تاليا، فيؤسّس في 1975 شركة خدماتٍ للرعاية الطبية، نجحت لاحقا، لتضم عدة مستشفيات في دولة الإمارات، ثم في السعودية وغيرها. وإلى الاستثمار في القطاع الصحي، راح الرجل إلى القطاع المصرفي، فأسّس شركة صرافةٍ كبرى، وتتابعت نجاحاتُه في المجاليْن في الإمارات، وحققت له ثروتُه التي استجدّت عليه نفوذا كبيرا، وعلاقاتٍ واسعةً مع حكام الدولة وشيوخها، ومنهم ولي عهد أبوظبي الحالي، محمد بن زايد، الذي كرّمه بوسام رفيع.
يأخذك الاكتفاء بالبرودة الماثلة في الحكاية هذه إلى الإعجاب برجل الأعمال هذا، وبـ"العصامية" التي قد ترشح منها، سيما وفيها نقلةٌ متدرّجة من ثمانية دولارات إلى امتلاك طابقٍ في البرج الأعلى في دبي، عدا عن طائرةٍ خاصةٍ وثروةٍ كبرى، ولكن المخفي الأعظم في هذه الانتقالة يتعلق بفسادٍ من النوع الثقيل، ويجعلك تنصرف من حالة الإعجاب تلك إلى حزمةٍ من أسئلةٍ لا تتوقف، ومنها ما إذا كانت العمائر العالية والمساحات السياحية الباذخة والمهرجانية الفادحة في تشبيحها وارتجاليتها، في غير شأنٍ وشأنٍ في دبي وأبوظبي، ظلالا للتعمية على سرقات وجرائم فساد وابتزاز أسود ومقامرات بهلوانية بأموال الناس. إذا صحّ هذا، أو شيءٌ منه، فإنه لا يكون مبعث شماتةٍ، فالإمارات بلدٌ عربيٌّ يستحق أن يكون أنظف من ذلك كله، ومما تتالى في السنوات الأخيرة نشرُه وذيوعُه، عن انكشاف مؤسساتٍ واستثماراتٍ (في العقار وغيره)، كالذي بيّنته قصة شركة مقاولاتٍ وبناءٍ كانت وعدا مبشّرا لمّا قامت، قبل أن تؤول إلى واحدةٍ من قصصٍ إخباريةٍ وفيرةٍ عن صناعة الأوهام وحطامها هناك.
صحيحٌ أن حكاية بي آر شيتي وهروبه، واحتياله، قصةٌ إخباريةٌ تُغري بالتسلية والدردشة في شأنها. ولكن، لا يحسُن أن تذهب بنا إلى أن نتشفّى بأهل الحكم والقرار في أبوظبي، ونحن في ضفةٍ أخرى غير التي يقف فيها هؤلاء، وإنما هي قضيةٌ تجيز دعوتهم إلى مراجعة كل ما هم عليه، بالكفّ، أولا وفورا، عن التضليل والتعمية والعنتريات الفارغة، في غير موضوع، وأولُ ما يُنصحون به أن يبادروا إلى تحقيق وافٍ يتوفر على كل أصول الشفافية والنزاهة في مسألة شديدة الحساسية كالتي قدّامنا، مسألة ضحك رجل أعمال على 12 بنكا، طالعنا أن سبعةً منها تتوسّل إنقاذها من إعلان إفلاسها إذا لم تعد إليها مئات الملايين التي أقرضتْها له. ولا يزيد واحدُنا وترا في الطنبور إذا ما كتب إنه لم يكن في وسع شيتي أن يفعل ما فعل من دون تغطياتٍ من نافذين في السلطة. ولم يكن في مقدوره أن يغادر البلاد (إلى الهند حيث الأمان والحماية السياسية، وليس إلى أوروبا)، من دون أضواء خضراء، ممن يسّروا له "الفساد الفاضح في غفلة الجميع"، بتعبير صاحب تغريدةٍ قُرئت كثيرا. وبديهيٌّ أنه لا معنى لإعفاء محافظ البنك المركزي الإماراتي، قبل أيام، إذا لم تتدحرج رؤوس كبيرة، غطّت المحتال الفارّ بضماناتٍ كاذبة، فصنع ما يعصى على مخيلة دوستوفسكي أن تصل إليه.
كُتب في وصف الواقعة المهولة إنها زلزالٌ مصرفيٌّ كبير في الإمارات، وإنها إحدى أكبر عمليات احتيالٍ على البنوك في التاريخ. والمُشتهى أن ينكتب تاليا إنها الحادثة التي أعادت حكام الإمارات إلى الرشد الذي أضاعوه، إلى إنقاذ بلدهم من خساراتٍ ضخمةٍ في مواردها.. وفي سمعتها من قبلُ ومن بعد.
صحيحٌ أن حكاية بي آر شيتي وهروبه، واحتياله، قصةٌ إخباريةٌ تُغري بالتسلية والدردشة في شأنها. ولكن، لا يحسُن أن تذهب بنا إلى أن نتشفّى بأهل الحكم والقرار في أبوظبي، ونحن في ضفةٍ أخرى غير التي يقف فيها هؤلاء، وإنما هي قضيةٌ تجيز دعوتهم إلى مراجعة كل ما هم عليه، بالكفّ، أولا وفورا، عن التضليل والتعمية والعنتريات الفارغة، في غير موضوع، وأولُ ما يُنصحون به أن يبادروا إلى تحقيق وافٍ يتوفر على كل أصول الشفافية والنزاهة في مسألة شديدة الحساسية كالتي قدّامنا، مسألة ضحك رجل أعمال على 12 بنكا، طالعنا أن سبعةً منها تتوسّل إنقاذها من إعلان إفلاسها إذا لم تعد إليها مئات الملايين التي أقرضتْها له. ولا يزيد واحدُنا وترا في الطنبور إذا ما كتب إنه لم يكن في وسع شيتي أن يفعل ما فعل من دون تغطياتٍ من نافذين في السلطة. ولم يكن في مقدوره أن يغادر البلاد (إلى الهند حيث الأمان والحماية السياسية، وليس إلى أوروبا)، من دون أضواء خضراء، ممن يسّروا له "الفساد الفاضح في غفلة الجميع"، بتعبير صاحب تغريدةٍ قُرئت كثيرا. وبديهيٌّ أنه لا معنى لإعفاء محافظ البنك المركزي الإماراتي، قبل أيام، إذا لم تتدحرج رؤوس كبيرة، غطّت المحتال الفارّ بضماناتٍ كاذبة، فصنع ما يعصى على مخيلة دوستوفسكي أن تصل إليه.
كُتب في وصف الواقعة المهولة إنها زلزالٌ مصرفيٌّ كبير في الإمارات، وإنها إحدى أكبر عمليات احتيالٍ على البنوك في التاريخ. والمُشتهى أن ينكتب تاليا إنها الحادثة التي أعادت حكام الإمارات إلى الرشد الذي أضاعوه، إلى إنقاذ بلدهم من خساراتٍ ضخمةٍ في مواردها.. وفي سمعتها من قبلُ ومن بعد.