ماذا بقي من "سلام" أوسلو؟

11 ديسمبر 2024
+ الخط -

تصادف هذه الأيام ذكرى مرور 30 عاماً على تسلم رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يتسحاق رابين، مع وزير خارجيته شمعون بيريس، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، على جائزة نوبل للسلام، على خلفية توقيع اتفاقية أوسلو التي وُصفت في حينه بأنها "اتفاقية سلام" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ما الذي بقي من ذلك "السلام"، وهل كانت أصلًا "اتفاقية سلام"؟. ... بدايةً، لا بُدّ من التذكير بأن ما تمّ استشفافه من وقائع محضر الجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية، وتحديداً في يوم 30 أغسطس/ آب 1993، وصادقت خلالها على اتفاقية أوسلو التي وقّعتها في واشنطن يوم 13 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه وحملت الاسم الرسمي "إعلان المبادئ" (كشف الأرشيف الرسمي لدولة إسرائيل النقاب عن ذلك المحضر في العام الفائت)، أن إسرائيل لم تنظر إلى هذه الاتفاقية باعتبارها نقطة انطلاق نحو التخلّي عن الاحتلال في أراضي 1967، أو نحو منح الفلسطينيين الحق في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

فضلًا عن ذلك، لم يعد لكلمة "سلام" وجود في الحيّز الإسرائيلي العام، حتى قبل تولي حكومة اليمين الكاملة الحالية مقاليد الحكم في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2022. ومع وصول هذه الحكومة، أعلنت في خطوطها الأساسية أن "للشعب اليهودي حقّاً حصريّاً لا يمكن التشكيك فيه على أرض إسرائيل الكاملة". والتزم نتنياهو، في الاتفاقيات الائتلافية، بانتهاج "سياسة من أجل فرض السيادة على الضفة الغربية"، وبأن يعمل على تحقيقها. وفي الوقت نفسه، وعدت الحكومة باستمرار الدفع باتفاقيات سلام إضافية إلى "إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي". وهذا كان يعني، حتى وفقاً لقراءات إسرائيلية عديدة، أن نتنياهو يريد إنهاء الصراع، ولكن، في الوقت نفسه، يجب أن تضم إسرائيل الضفة الغربية، ولا توجد للفلسطينيين أي حقوق قومية، بما في ذلك في قطاع غزّة.

كذلك أظهر المحضر أن الحكومة امتنعت من نقاش أي رؤية سياسية واسعة ومصطلحات سياسية مثل "سيادة فلسطينية" و"دولة فلسطينية". ونظراً إلى رؤية الاتفاق عسكريّاً، جرى وضعه في عهدة الجيش، لصوغه بعد توقيع المبادئ، وليس وزارة الخارجية. وتجزم مصادر إسرائيلية موثوقة بأن الجيش صاغ اتفاقيات أوسلو بوصفها اتفاقيات عسكرية، تضمن استمرار السيطرة الإسرائيلية الذكية في الضفة الغربية وغزّة، ولا تجهز السلطة الفلسطينية للتصرف بصفة دولة، في وقتٍ يستمر مشروع المستوطنات في الازدهار، وتظل حرية حركة الفلسطينيين محدودة.

عند هذا الحدّ نعيد التنويه بما يلي: أولاً، يُنكر اليمين الإسرائيلي أن الفلسطينيين شعب، وهذا موقفه الثابت. ولكن أيضاً في الجهة المعارضة له، الوسط وفلول اليسار، لا يتحدّثون عن سلام مع الفلسطينيين. بمعنى آخر، المشكلة كامنة في السياسة الإسرائيلية التي ترى الفلسطينيين مجموعة من الرعايا من دون أي حقوق، وليسوا شركاء في صوغ الواقع المستقبلي.

ثانياً، لم يعد هناك حضور لمصطلح السلام أيضاً، في ضوء وضع سياسي شهدت فيه إسرائيل ازدهاراً غير مسبوق في علاقاتها مع العالم العربي، إثر "اتفاقيات أبراهام"، والتي كادت أن تشمل السعودية، عشيّة طوفان الأقصى.

ثالثاً، غداة كشف النقاب عن محضر مصادقة الحكومة الإسرائيلية على اتفاقية أوسلو، رأت صحيفة هآرتس أن المحضر مثير للغاية بما غاب عنه، إذ تجنّب التطرّق إلى الاحتلال الإسرائيلي أو إلى حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال. وبرأيها، واضحٌ من المحضر أن إسرائيل، حتى عندما كانت تتسلم مقاليد الحكم فيها "الحكومة الأكثر يسارية في تاريخها"، لم تكن تنوي الانسحاب من أراضي 1967، وأن تقيم فيها دولة فلسطينية. كما أن رابين عارض أي نقاش بشأن القدس، وشدّد وزراء حكومته على أهمية استمرار السيطرة على "الأراضي العامة" أو "أراضي الدولة" (تمت تسميتها في وقت لاحق "مناطق ج")، وذلك بهدف الاحتفاظ باحتياطي أراض في سبيل توسعة المستوطنات. ووعد رابين بإقامة سلطة فلسطينية تعمل (من وجهة نظره) مقاولاً ثانوياً أمنياً لدى الجيش الإسرائيلي، وتحاول كبح صعود حركة حماس، ولا شيء أكثر من ذلك.