ماذا تعرف عن "الحزام والطريق"؟
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لقارة آسيا من 17.03% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1970، إلى 31.10% في عام 2012، متجاوزاً أوروبا، أكبر قارّة من ناحية الاقتصاد... هكذا يبدأ كتاب "الطريق والحزام: المنفعة المتبادلة والفوز المشترك الإقليميان في إطار التداول المزدوج للقيمة العالمية" شرح دوافع تلك المبادرة الصينية وضرورتها. صدر الكتاب أخيراً في بكين، من تأليف ليو وي وقوه ليان، ترجمته إلى العربية ونشرته جامعة الدراسات الأجنبية (BFSU) وجامعة بكين لإعداد المعلمين (BNU)، الصينيتان، بالتعاون مع جمعية الصداقة الصينية العربية، في إطار جهود ترجمة كتب صينية إلى العربية، وكتب عربية إلى الصينية.
يقدم الكتاب شرحاً وافياً عن مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين في عام 2013، واكتملت عام 2014، ثم بدأ تنفيذها عام 2015، ويصفها بأنها آلية حوكمة عالمية هدفها إنشاء منصة تقودها الصين للحوكمة العالمية في آسيا وأفريقيا وأوروبا، في إطار التداول المزدوج للقيمة العالمية، من أجل تحقيق الموازنة بين الحوكمة الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى ترقية الهيكل الصناعي للصين بغرض "تحقيق نهوض سلمي".
تمثل مبادرة الحزام والطريق تعبيراً ثقافياً عن "طريق الحرير" التاريخي
ويقرّر الكتاب أنّ الإنجازات التنموية الصينية التي تحققت على مدار العقود الأربعة الأخيرة، كان مردها اغتنام فرص التنمية التي أحدثتها العولمة الاقتصادية منذ الثمانينات، ودمج الاقتصاد الصيني في النظام الاقتصادي العالمي. من هنا، تمثّل مبادرة الحزام والطريق تجسيداً ملموساً للعولمة الاقتصادية على المستوى الإقليمي، وتوفر فرصاً تنموية نادرة للبلدان النامية. على سبيل المثال، يطرح الكتاب موضوع التعاون في مجال الطاقة جزءاً من المبادرة، إذ من خلال التحالف الاقتصادي العابر لأوروبا وآسيا، يمكن للصين القيام بتعاون واسع النطاق في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي مع روسيا ودول آسيا الوسطى الغنية باحتياطات الطاقة النظيفة، لكنّ مستوى تنميتها الاقتصادية منخفض، وتعاني من تخلف بنيتها التحتية، في حين أنّ الاقتصاد الصيني يتميز بوفرة رأس المال والطلب الهائل على الطاقة النظيفة، في وقتٍ تراكمت لديه خبرة واسعة في بناء البنى التحتية وتشغيلها.
يوضح الكتاب أنّ الانتقال الصناعي الصيني إلى البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ليس بالضرورة أن يقوم على نقل الصناعة كاملة، أو نقل منتج بأكمله، بل قد يكون مجرّد انتقال مراحل إنتاج معينة، حيث يمكن للصين، بصفتها دولة كبيرة، أن تشكّل تجمّعاً صناعياً وتنمية صناعية على أساس جميع حلقات سلسلة الصناعة الزراعية، لأنّ لدى بعض البلدان النامية مستوى منخفض في التنمية الاقتصادية وحجم صغير نسبياً للاقتصاد الوطني، ما يجعلها غير مناسبة لتطوير صناعة بأكملها. وتماشياً مع تحقيق ترابط الطرق وسلاسة القنوات التجارية وتداول الأموال في إطار مبادرة الحزام والطريق، لن يكون لهذا المزيج من التوزيع المحلي والتوزيع الخارجي حواجز كثيرة ناجمة عن المسافة الجغرافية والتكاليف الإضافية. وفي ظلّ هذا التوزيع الصناعي، يجري تقسيم العمل بين الصين وتلك البلدان، ما يساهم أيضاً في تطوير التجارة بين الطرفين، لتشمل مفردات عديدة.
الانتقال الصناعي الصيني إلى البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية لا يقوم بالضرورة على نقل الصناعة كاملة
ولأنّ الصين تساهم بوصفها مستثمراً في عملية بناء البنى التحتية في البلدان المحيطة بها، فإنّ تشكيل دائرة من التعاون الاقتصادي سيساعد على كسر النظام المالي القائم في شرق آسيا بقيادة الولايات المتحدة واليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتعديل القواعد التي تربط السياسة ومفهوم القيم والتمويل والتنمية الاقتصادية، ومن ثم تشكيل نظام اقتصادي إقليمي أكثر عقلانية. كذلك، يساعد ذلك الصين على "كسب حقٍّ أكبر في الكلام واستقلالية أكبر"، بحسب تعبير الكتاب، كما يساعد ترابط البنى التحتية مع البلدان المجاورة للصين على تخفيف التأثير السلبي الناجم عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تأسّست عام 2002 من اتفاق أربع دول (بروناي وتشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة) من أجل التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ. ولكن منذ انضمام الولايات المتحدة لها في عام 2008 بدأت تتوسّع بسرعة ما عزز تأثير الولايات المتحدة في اقتصادات الدول الأعضاء، ومكنها من التحكم في تكاليف تجارتها، وهو ما يهدّد أنشطة الصين الاقتصادية، لأنّ تلك الاتفاقية يمكن أن تنتج منطقة ضخمة للتجارة الحرة تستبعد الصين.
تمثل مبادرة الحزام والطريق، بحسب الكتاب، تعبيراً ثقافياً عن "طريق الحرير" التاريخي، وهو اسم لم يطلقه الصينيون على طريق التجارة الشرقية ذلك، بل اختاره الجغرافي الألماني، فرديناند فون ريشثوفن، في سبعينيات القرن التاسع عشر، تعبيراً عن تجارة الحرير بين الصين والهند بين عامي 114 قبل الميلاد و127 ميلادي. وبين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، راح المستكشفون الذين دخلوا آسيا الوسطى يستعملون هذه التسمية. ثم اقترح العالم الألماني هيرمان، في عام 1910، توسيع نطاق "طريق الحرير" ليشمل المنطقة السورية المؤدية إلى الغرب. وفي 1903، قال عالم فرنسي متخصص بالحضارة الصينية، يدعى إدوارد تشافانيس، إنّ هناك طريقين تجاريين لتجارة الحرير من الصين: أحدهما ذلك القديم المعروف، والآخر بحري يؤدّي إلى الموانئ الهندية، وهو الطريق الذي تعبر عنه المبادرة الصينية الراهنة بوصف "الحزام" أي الحزام البحري الذي يصل الصين بالعالم.
في المحصلة، يمثّل الكتاب مرجعاً مهماً لكلّ راغب بالاستزادة في المعرفة عن هذه المبادرة الصينية، وكيفية التفكير الصيني بشأنها، والتطلعات حولها، بعيداً عن التصوّرات التي يقدمها الإعلام الغربي. وهو إضافة نوعية لمكتبة الصداقة الصينية العربية، التي نشرت وترجمت أكثر من 70 كتاباً باللغتين العربية والصينية، وكان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة في جهود التأليف ضمنها والحصول نتيجة ذلك على جائزة الكتب المتميزة، الصينية المرموقة. ومن هذا المنطلق، يعرض هذا الكتاب المهم عن مبادرة الحزام والطريق للقارئ العربي.