ماذا قدمت قمة العرب للأسد؟
حضر بشّار الأسد ممثلاً للنظام السوري في قمة جدّة، ومكملاً كلّ مراسم العودة السياسية إلى عضوية جامعة الدول العربية، وقد رحب بهذه العودة بعض الزعماء العرب الذين تناوبوا على إلقاء الكلمات في جلسة الافتتاح، أما ما نغَّص على ترسيم الأسد مرة أخرى بوصفه كامل العضوية في الجامعة وجود الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، الذي ظهر في جلسة الافتتاح، وألمح إلى أنّ بعض الحاضرين يوافق على سياسة فلاديمير بوتين العدوانية ويدعمها. وهو تصريح موارب لا يسمّي الأسد مباشرة، لكنّ ذلك يمكن استنتاجه بسهولة. وكما اعتُبرت هذه القمة كسباً سياسياً للأسد، يمكن أن تعتبر أيضاً كسباً سياسياً لزيلينسكي، حيث تحظى روسيا بدعم خفي من بعض الدول العربية ودعم ظاهر من دول أخرى، منها سورية. وكانت فرصة سانحة لزيلينسكي ليضع قضيته على طاولةٍ يجتمع حولها قادة عرب وترعاها السعودية التي يحاول ولي العهد فيها محمد بن سلمان أن يسلك طريقاً وسيطاً يلعب به دور حمامة السلام، وقد مهد لهذا الدور طويلاً، وتجلى ذلك في اتفاق الرياض مع إيران، بما يعني أنّ الكثير من بؤر توتر المنطقة مرشّحة للتخامد نظراً إلى ارتباطها، بشكل أو بآخر، بالخلاف بين السعودية وإيران، وبما أنّ هذين القطبين قد وجدا مكاناً للتفاهم، يمكن لبؤر التوتر أن تجد طريقها إلى بعض الاستقرار.
هذه هي المرّة الثالثة التي تعقد فيها القمة العربية في السعودية خلال خمس سنوات، لكنها تعقد هذه المرة بعناوين مختلفة كلياً عن التي أُعلنَت في القمم السابقة، فقد التأمت قمة عربية في الظهران عام 2018، وسمّيت قمة القدس، وأطلقت تلك القمة مواقف عنيفة تجاه إسرائيل ورفضاً للقرار الأميركي نقل العاصمة إلى القدس. ولم ينسَ حينها البيان الختامي الموقف العربي التقليدي من إيران، فرفض تدخّلها في الشؤون العربية، ثم عقدت قمة أخرى في مكّة المكرمة بعد عام، كانت مكرّسة لبحث الاعتداء الإيراني على سفن تجارية إماراتية، والهجوم الحوثي على أهداف في السعودية، وجاء البيان الختامي مندّداً باعتداءات إيران.
بعد أربع سنوات، وخلال اليومين الفائتين، عُقدت القمة العربية التي تحمل الرقم 32 تحت عناوين التوافق والاستيعاب، فقد أعقبت تقارباً إيرانياً سعودياً، وشهدت دخول النظام السوري إلى قاعة اجتماعات القمة العربية لأول مرة منذ قمّة سرت التي جرت برعاية معمّر القذافي عام 2010. عكست القمم الثلاث التي جرت في السعودية مواقف متفاوتة، وقد تحوّلت السعودية من جهة تتبنى موقفاً، وتحشد الدول العربية دعماً له، إلى دولةٍ راعية للتفاهمات في الإقليم، وعلى مستوى العالم أيضاً، حيث لعبت دوراً بين أوكرانيا وروسيا مهّد لإطلاق متبادل للأسرى، وحضور زيلينسكي في هذه القمة تأكيد لرغبة السعودية في التمسّك بهذا الدور حتى النهاية، كما يعتبر توسّط السعودية وقيادة حملة لإعادة الأسد ضمن جهود تسوية مشكلات المنطقة وصولاً إلى تصفيرها.
لم يستفد النظام السوري من هذه الجهود، وقد لا تساوي مكاسبه متاعب رحلة الطائرة التي قادت رئيسه إلى جدّة، وبدوره لن يضمن زيلينسكي انتصاره على بوتين ولا حتى تغيير مواقف دول الجامعة تجاهه.
يتجه العالم نحو استقطاب شديد تقوده الصين والولايات المتحدة وتشارك فيه روسيا بالطبع، وتستثمر به كلّ الدول المذكورة سياسياً، ومن المشكوك فيه أن تثمر الجهود المبذولة تصفير المشكلات، لأنّ مؤتمر قمة واحداً بحضور بشّار الأسد أو بغيابه لن يكون قادراً على غضّ النظر عن عقود من التوتر والخلافات، وسبق القمة الـ 32 عدد كبير من القمم التي لم تسهم في زحزحة مشاكل المنطقة، وهذه القمة يمكن وضعها إلى جانب أخواتها السابقات، ووضع بيانها الختامي فوق كومة البيانات الأخرى، ليرجع الأسد إلى دمشق بالطائرة نفسها، وربما بطرق فيها تمويه كبير لضمان حمايته، لكن من المؤكّد أنّه عاد كما أتى.