ماذا يضمر الاحتلال لمروان البرغوثي؟

05 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

المناضل البطل الأسير مروان البرغوثي هو المعادلة الأصعب في ملفّ الأسرى لدى الاحتلال، في مقابل الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس. وقد احتُجزوا في الأساس لمبادلتهم بالمعتقلين في السجون الإسرائيلية من أبناء (وقادة) الشعب الفلسطينيّ، الأبيّ والمقاوم والصامد تحت عسف المحتلّ ووحشيته وإجرامه. البرغوثي هو الرقم الصعب في المسألة الراهنة موضوع التفاوض والمحادثات المعقّدة، لأنه الأكثر إخافةً للكيان الصهيوني، إذ يوقن المحتلُّ المذعورُ خطرَه، والتهديدَ الذي يمثّله سياسياً وكفاحياً وقوّةً شعبية لدى الشعب الفلسطيني، الذي يبايعه للزعامة وهو في سجنه، فكيف لو خرج إلى ساحة الحرّية والنضال والقيادة السياسية والعسكرية! فلخشيته هذه، عذّب السجانون النازيون قبل أسابيع المناضلَ الكاريزماتيّ بطريقة وحشية، ونقلوه إلى العزل الانفراديّ في سجن الرملة، كأنّهم يستعجلون القضاء عليه قبل إتمام أيّ صفقة تبادل قريبة محتملة يرد اسم مروان البرغوثي في أول القائمة التي تطالب "حماس" بتحريرها.
بالنسبة إلى المدعوّة "إسرائيل"، كيان المجازر وجرائم الإبادة، يضاهي خطر مروان البرغوثي خطر زعماء ومناضلين كبار من أمثال ياسر عرفات ويحيى السنوار، بل يتفوّق بأنّه محطّ إجماعٍ فلسطيني من مختلف التنظيمات والجهات، سواء حركة فتح التي ينتمي إليها أو "حماس" التي تؤيّده بقوّة وإن ليس طالعاً من صفوفها. وهناك الكاريزما في شخصيته المحبوبة من عموم الشارع الفلسطيني، الذي لا يرى أجدرَ منه لقيادة المرحلة المقبلة من مسيرة النضال الطويلة، الشاقّة والمؤلمة. يبصر فيه الشعب الفلسطيني وجهَي عرفات والسنوار معاً، ويمنحه الثقة الكاملة، وينتظر منذ عقود خروجه من الأسر علّه يقود شعبه الصابر والمتألّم إلى النصر النهائي. ذلك كلّه كفيل بإثارة الرعب والذعر والتوجّس في نفوس الصهاينة، فيحاولون اليوم، على مألوف سوابقهم تاريخيّاً، تدبير مؤامرة موته في سجنه، ليعلنوا لاحقاً، بنفاقهم المعهود، أنّه "قضى بذبحة قلبية حادّة ومفاجئة"، أو أيّ سبب آخر مدبَّر يخترعه عقلهم الإجراميّ الفاشيّ المريض. هذا الواقع كشفه عرب البرغوثي (نجل الأسير) الذي عبّر قبل أيام عن خوفه على حياة أبيه في سجنه الانفرادي، ناقلاً عن محامي أبيه أن مروان تعرّض لضرب مبرّح على صدغه وضلوع صدره، ولزمه الأمر شهراً كي يبرأ من تلك الضربات البهيميّة.

مطلوبٌ بإلحاح اليوم، وعلى نحو مستعجل، تدخّل الجهات القادرة لإنقاذ مروان البرغوثي من تصفية مدبّرة محتملة تسبق خروجه إلى الحرّية بصفقة تبادل

مروان البرغوثي من أغلى أيقونات النضال الفلسطيني، مطلوبٌ بإلحاح اليوم، وعلى نحو مستعجل وطارئ، أن تتدخّل الجهات القادرة لإنقاذه من تصفية مدبّرة محتملة، تسبق إمكان خروجه إلى الحرّية ضمن صفقة تبادل، مع مرور 22 عاماً من عمره في سجون الاحتلال. والمناشدة موجّهة إلى دول عربية أو أجنبية قادرة على التواصل مع الاحتلال وممارسة ضغط عليه لمنعه من تنفيذ مؤامرته بحقّ مناضل استثنائي، انضمّ في الخامسة عشرة من عمره إلى حركة فتح، وتعرّض للاعتقال للمرّة الأولى في سنّ السابعة عشرة (1976) عامين، ثم أعيد اعتقاله عام 1978 ليمضي في الاعتقال خمس سنوات، ولم يلبث قليلاً خارج السجن حتى اعتقل مرّة أخرى 1983 وأطلق سراحه في العام نفسه. ومؤسّساً لحركة الشبيبة الفتحاوية، مطلع الثمانينيّات، وكانت أكبر منظّمة جماهيرية في الأراضي المحتلّة قوةً وتنظيماً ومشاركةً في الانتفاضة الأولى الكُبرى، بقي مروان الصلب والعنيد والمشتبك و"المشاكس" مطارداً من الاحتلال، أحدَ أبرز قيادات الانتفاضة والعقل المدبّر لها، فأبعده جيش الاحتلال إلى الأردن بقرار من وزير الحرب آنذاك، إسحق رابين، غير أن المناضل الذي لا تنضب حماسته ولا تنطفئ شعلته عمل مع "أبو جهاد" حتى استشهاد هذا الأخير اغتيالاً، ثمّ انتخب عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح، وكان الأصغر عمراً بين أعضائه الخمسين، وعاد في 1994 إلى الضفة الغربية، حيث انتخب نائباً لفيصل الحسيني، وفاز بعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات 1996 بأكثر من اثني عشر ألف صوت، نائباً ملتزماً قضايا شعبه ومحارباً للفساد ومشاركاً في المؤتمرات البرلمانية والندوات الدولية حول العالم. وتعرّض لأكثر من محاولة اغتيال (نأمل ألّا تتكرّر اليوم في المعتقل).
شعبية مروان البرغوثي مستمرّة، رغم وجوده في الأسر، بل ازدادت، فبحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية واستطلاعات الرأي، برز البرغوثي مرشّحاً مفضّلاً للرئاسة الفلسطينية في الانتخابات التي كان مفترضاً أن تحصل عام 2012، وأُجّلت إلى أجل غير مسمّى. أمّا في الجانب الإسرائيلي فإنّ اختيار البرغوثي رئيساً يضع الكيان الصهيوني في الزاوية، وقد ازداد كره الاحتلال للمناضل الصلب بعد "طوفان الأقصى"، لأنه زعيم محتمل لفلسطين بعد الحرب، إذ يحظى بثقة "حماس" والفصائل، و"فتح" في الوقت عينه، فالجميع يدرك أن مروان البرغوثي شديد الإيمان بالوحدة الوطنية وبوحدة القرار الفلسطيني وبالعمل المؤسّسي.
أنقذوا أيّها العرب، إن بقيت فيكم ذرّة من إنسانية وكرامة وإحساس قوميّ ووطنيّ، حياةَ هذا المناضل الأسطوريّ صلابةً وتحمّلاً لفظاعات الأسر، قبل أن يفوت الأوان، ويُقدِم المحتلّ الفاشي على تصفية من يخيفه حرّاً وأسيراً، فنخسر جميعاً بطلاً آخر من أبطال قضية فلسطين والقضيّة العربية جمعاء.