ماذا يفعل بوتين في الخليج؟
يحاول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يتلمّس طريقه، ليتجنب ملاحقات المحكمة الجنائيّة الدولية التي أصدرت أمراً بالقبض عليه، باعتباره مرتكباً جرائم حرب في أوكرانيا. ومن حسن حظه أن الدول التي يرغب في زيارتها لا تعترف بهذه المحكمة، وغير مضطرّة إلى القبض عليه إذا وطئ أراضيها، وهي في الشرق الأوسط، الوجهة المفضلة لديه حالياً. فقد أوجد بوتين لنفسه رأس جسر في شرق المتوسط، مستفيداً من ظروف الحرب السورية وتغاضي الولايات المتحدة، فحاول بعدها الانطلاق إلى كل الإقليم، ولكن الحرب في أوكرانيا وموجة البغض العالمية التي واجهته، والمذكّرة من "الجنائيّة" ضده، جعلت حركته محدودة جداً، ومحفوفة بخطر التعرّض له. وفي زيارته الأسبوع الماضي لمنطقة الخليج، حيث زار السعودية والإمارات، رافقت طائرته الرئاسية طائراتٌ عسكرية ظلت بجواره طوال الرحلة من موسكو إلى أبوظبي والرياض، ما يؤشّر على حجم التوجّس الذي يشعر به بوتين، حتى أحاط نفسه بغلاف مسلح، ولكنه بحاجة ماسّة إلى التحرّك إلى منطقة الخليج بالذات، ويمكن أن يجد فيها موطئ قدم له، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط، وهذا وضعٌ يمكن أن يتحدّث فيه مع كلا البلدين النفطيين للاتفاق على سياسةٍ تراقب مسار التدفق.
يحتفظ بوتين بعلاقات مع إسرائيل، فقد كان أول رئيس روسي يزور إسرائيل، منذ الحقبة السوفييتية وما بعدها، وقد فعل هذا ثلاث مرات، اثنتان منها بعد بدء الحرب في سورية. مهدت زياراته وعلاقاته بإسرائيل لترتيب عسكري وأمني مع وجود القوات الروسية في الجوار، وتنسيق لنشاطات إسرائيل العسكرية فوق سورية، ويبدو أن تلك النشاطات ما زالت مضبوطة. وهو، في الوقت نفسه، لم يهمل علاقاته بحركة حماس، حيث احتفظ معها بخيوط يتقصّد أن تكون مرئية، فقد زار موسكو في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وفدٌ من الحركة، ترأسه قيادي يقطن خارج الأراضي الفلسطينية. يجد بوتين نفسه، وفق هذه الميزات، مناسباً ليلعب دور الوسيط في أثناء الحرب الجارية في قطاع غزة. وقد وجدت هذه الرؤى طريقها إلى الحوار الذي جرى بين بوتين ومسؤولي الإمارات والسعودية، رغم أن روسيا استفادت من استمرارية الحرب، فقد نقلت الحرب أخبار الجبهات في أوكرانيا إلى الصفحات الداخلية من الصحف، وإلى عناوين الأخبار الثانوية في الإعلام، كذلك بدأت الدول المموّلة لأوكرانيا بالتململ من فاتورة المدفوعات الباهظة، بعد أن وقفت إسرائيل في واجهة طابور متلقّي المساعدات الغربية منذ بدأت حربها.
فقدت روسيا، قبل بداية عهد بوتين، سماتها الخاصة دولة عظمى، ورافق الانهيار في النظام الجغرافي والعقائدي للسوفييت انهيارٌ للمكانة الدولية المميّزة التي يملكونها، وجرى بعد ذلك، على نحو مقصود، إغفال مصالحها، ومحاولة تصغير حجم تأثيرها العالمي. ونجحت الولايات المتحدة في تحديد نفوذها إلى حد كبير في العهد الذي تلا الحقبة السوفييتية مباشرة، ولكن بوتين، بأحلام الإمبراطورية، يحاول استرجاع التاج المفقود، وهو لم يهدأ طوال فترة وجوده الطويل في الكرملين، ولكن النتيجة الواضحة أنه أصبح طريداً للعدالة، ومطلوباً لمحكمة دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، ومتورّطاً في معركة لا يعرف متى تنتهي.
يضع بوتين ذلك خلفه، وهو يتحرك في منطقة الشرق الأوسط عبر عاصمتين خليجيتين مهمتين تملكان جزءاً من مفاتيح أسعار النفط، وتأثيراً بما يحدُث في غزّة، وتسود خلفية إعلامية عن علاقات غير مستقرّة للدولتين الخليجيتين مع الولايات المتحدة، يرافقها جفاء واضح. يطمح بوتين إلى مكانة أوسع ومساحة أكبر لنفسه وللدولة التي يمثلها، وهو يعدّ العدّة لانتخاباتٍ معروفة النتيجة، ويمهد بعدها للجلوس في الكرملين إلى ما بعد عام 2030، حتى يكون قد قارب الثمانين عاماً، ليخطّط لفترة التقاعد، إن وُجدت.