ما وراء فضائح الأولمبياد المصرية
حصدت البعثة الأولمبية المصرية في أولمبياد باريس حزمةَ فضائحَ تتجاوز الهزائم المتعدّدة، والفوز بميداليات ثلاث فقط، لأكبر بعثة رياضية في تاريخ مصر (164 لاعباً)، وهي الأكبر بين البعثات العربية، وتتلوها البعثة المغربية بـ64 لاعباً. المخجل في مشاركة مصر في دورة باريس للألعاب الأولمبية أنّها لم ترقَ إلى الحدّ الأدنى اللازم لخوض ذلك المستوى العالمي من المنافسات الرياضية، سواء كان ذلك في مستوى الأداء والكفاءة الرياضية، أم في مستوى أخلاق أفراد البعثة وسلوكهم. رياضياً، اعتاد مصريون، من المؤسّسات الرسمية والمنتخبات في مختلف الألعاب، تبرير الهزائم والإخفاقات بتحقيق هدف "التمثيل المُشرِّف"، بل بات ذلك الشعار مثارَ سخرية المصريين وتندّرهم عقوداً مضت. وبينما بدأت مصر الرسمية تتخلّى عن ذلك الشعار؛ "التمثيل المُشرِّف"، منذ ما يزيد عن عقد، لم يتحقَّق أيُّ إنجاز رياضي في لعبة، بل بالعكس، لم تحقّق مصر خلال تلك الحقبة أيَّ مستوىً مُشرِّفٍ، واكتفت دائماً بالتمثيل فقط.
تنوّعت مثالب المشاركة المصرية في باريس، لكن ثمّة مشتركات جمعت بين الفرق المصرية، بدءاً بغياب معايير موضوعية لاختيار العناصر المشاركة، وتدنّي مستوى الأداء الفني إلى حدِّ أنّ الفرق كلّها تلّقت هزائم مُخزية ولم تحقّق نتائجَ ذاتَ قيمة. حتّى الفِرق ذات السجل التاريخي المُشرِّف، مثل كرة اليد. جمع أيضاً بين أفراد البعثة المصرية، ضعف اللياقة البدنية ضعفاً مؤسفاً. ما انعكس بوضوح على تماسك الأداء، والتركيز الذهني، ومن ثم التوافق العضلي العصبي. وتجلّى هذا العامل في تراجع أداء الفرق الجماعية في آخر الأوقات من جميع مبارياتها، فضلاً عن إصابة الحَكم في إحدى مسابقات الرماية، وسقوط فارسة من فوق الجواد في منافسات الفروسية.
ومن أهمّ القواسم المشتركة بين أفراد البعثة الرياضية المصرية في أولمبياد باريس 2024، افتقاد الانضباط الأخلاقي والروح الرياضية، التي يُفترض أن تُميّز الرياضيين في المستويات كلّها، ففي الألعاب الجماعية كانت العصبية هي الغالبة على تعاطي اللاعبين مع قرارات الحكّام، إضافةً إلى الاندفاع وعدم التحكّم الانفعالي في الأوقات الصعبة من المباريات. وكان هذا وحده سبباً في خسارة مبارياتٍ مفصليةٍ في آخر لحظات من الأدوار الإقصائية، في أكثر من لعبة جماعية.
المشكلة الحقيقية في نتائج مصر المُخزية في باريس ذات شقَّين. يتعلّق أولهما بالبيئة التي أفرزت تلك الظواهر والسمات، فتعاني القاعدة الأساسية التي تتشكّل منها الفرق والمُنتخبات ضعفاً عاماً وهزالاً بنيوياً في الوضع الصحّي. والشقّ الثاني هو النظام أو "السيستم" الذي يدير العمل الرياضي ومجمل الحياة العامة في مصر. في الشق الأول، يشهد المجتمع المصري تراجعاً كبيراً ومُطّرداً في مُؤشّرات جودة الحياة، ومن ثم تتضاعف مُعدّلات التدهور في الصحّة العامة. وعلى التوازي، تتعرّض المنظومة القيمية والقواعد السلوكية لتخريب منتظم وتدريجي منذ عقود. فتفسَّخت الروابط المجتمعية، وتفشَّت العدوانية والرعونة، وغاب القانون عن إدارة العلاقات بين الأفراد والوحدات الاجتماعية. وكانت مُحصّلة المسارَين البدني والسلوكي، ردّةً حضارية ودرجات متفاوتة من التخلف والبدائية، بدأت تصيب شرايين الحياة العامّة بالتصلّب.
صحيح أنّ نتائج المشاركة في الأولمبياد هذه المرّة هي الأسوأ في تاريخ المشاركات المصرية، لكنّ الأسباب الأصيلة وراء ذلك السوء ليست جديدة. فالنتائج مُحصّلةٌ طبيعيةٌ ومنطقيةٌ لطبيعة نظام الحكم وإدارة الدولة في العقد الماضي. في الأعوام الماضية، وقبل خوض مسابقات أولمبياد باريس، لم تُظهر الرياضة المصرية أيّ دلائلَ على تحضيرات جدّية أو استعدادات جادّة، لا فنّياً ولا إدارياً. المنظومة الحاكمة للرياضة هي ذاتها مثل كلّ قطاعات الحياة الأخرى، بما فيها من محسوبية وفساد وحسابات مصلحية لأفراد وشبكات مترابطة يُقوي بعضها بعضاً. ليست مأساة الأولمبياد رياضية، بل هي مأساة شاملة تُجسّد بؤسَ مصر الراهنة.