محمد رمضان في مجمع الخالدين
ما الفرق بين نظام عبد الفتاح السيسي، بوصفه ترسًا في آلة نظام إقليمي تتصدّره إسرائيل والإمارات، والممثل محمد رمضان، بوصفه ماكينة في ورشة الابتذال التابعة له، هذا النظام التابع بدوره لنظام أشمل تتحكم فيه الإمارات؟
سؤال آخر: ما الفرق بين استعمال النظام الممثل محمد رمضان لإحداث صدمة تطبيعية، تصنع من مفهوم الخيانة الوطنية والقومية مجرد موضوع للاشتباك والمبارزة بوجهات النظر، واستعمال النظام ذاته الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل لإحداث صدمة استبدادية هائلة، تجعل الاستهانة بمبدأ الانتخابات الديمقراطية أمرًا اعتياديًا ومألوفًا؟
ظني أن الممثل الجاهل، الذي تم استعماله، بمعرفة نظامي القاهرة وأبو ظبي، لإحياء حفل تطبيعي ماجن وفضائحي في دبي، انتهى بعبارة خليعة تقول "يهمني الإنسان"، ليس أكثر سوءً من الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي، الذي تم استخدامه في إقامة حفل شواء للقيم الديمقراطية والثقافية المحترمة في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، حيث تم ذبح مبدأ الانتخابات وسلخه وتقطيعه وطهوه في وليمة فاخرة انتهت بعبارة أكثر خلاعة تقول "يهمني التنوير ومدنية المجمع".
فور الإعلان الرسمي عن اغتيال حق الدكتور حسن الشافعي، المرشح الفائز برئاسة المجمع بفارق أصوات هائل، أسرع الدكتور صلاح فضل، المرشح المهزوم، إلى الاحتفال، مردّدًا تلك العبارة المبتذلة "حان الوقت لاستعادة الوجه المدني لمجمع اللغة العربية".
صلاح فضل، كان في العام 2009 محتسب جائزة معمر القذافي الأدبية التي رفضها الأديب العالمي الإسباني، خوان غويتسولو، كونها تتعارض مع احترامه ذاته وإنسانيته وقيم الحرية والديمقراطية، وأصدر بيانًا شهيرًا أعلن فيه حيثيات رفض الجائزة المنقوعة في زفت الاستبداد، فما كان من صلاح فضل إلا أن استنجد بصديقه الدكتور جابر عصفور، محتسب الثقافة في عصر حسني مبارك، لكي يفوز بالجائزة، ذات المائتي ألف دولار، فتلقاها جابر في حبور وسرور، حتى جاء الربيع العربي وتطايرت مع رياحه كل ملفات الفساد الثقافي، فخرج عصفور(جابر) بعد عامين من الاستدفاء بصهد الجائزة الضخمة ليعلن أنه لم يعد بحاجة لها، لكنه يجد مشكلة في رد قيمتها المالية لأن مانحها مات. صلاح فضل هو أيضًا محتسب المشروع الثقافي الإماراتي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، إذ انتقل من رئاسة لجنة تحكيم جائزة القذافي، إلى عضوية لجنة تحكيم جائزة "أمير الشعراء" الإماراتية، وعلى هذا هو مثل محمد رمضان، الأول يسمي نفسه "ديزل السينما"، والثاني يبدو لي "ديزل الثقافة الملوثة بانبعاثات الاستبداد". وكل منهما يجمع بين خدمة نظام تابع ونظام متبوع، كل منهما رجل السيسي وأولاد زايد في الوقت ذاته، لكن أحدهما يفعلها باندفاع الجاهل السطحي، والثاني يفعلها بإتقان المثقف العميق.
ليست المصيبة في فرض صلاح فضل رئيسًا لمجمع اللغة العربية بقوة البطش العسكري، بل في قبول الناقد وأستاذ الأدب هذا الدور، وتعبيره عن سعادته بالوصول فوق المدرعة إلى المنصب الذي فشل في بلوغه بالانتخاب الحر.
وليست الكارثة في موافقة فضل، الناقد وأستاذ الأدب، على أن يكون الأداة التي استخدمها النظام العسكري للانتقام من رجلٍ شريف وعالم حقيقي انتفض غضبًا لسفك الدماء والانقلاب على ثورة يناير، بل الكارثة الحقيقية هي في موت الضمير الثقافي في مصر، وسكوته على جريمة مكتملة في حق الثقافة، وفي حق أي قيمة إنسانية أو أخلاقية محترمة.
أتذكر قبيل الانقلاب الدموي في صيف العام 2013 أن احتلت مليشيات التنوير والمدنية مقر وزارة الثقافة، على بعد خطواتٍ من مبنى مجمع اللغة العربية، فيما أسموه انتفاضة ثقافية من أجل إطاحة وزير الثقافة الذي لم يكن تعيينه في هذا المنصب يصادف رضى وقبولًا لدى شلة التنوير العسكري .. كانوا يعتبرون ذلك نضالًا من أجل المدنية.
تخيل معي لو أن انتخابات المجمع كانت في أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، وأن الفائز هو صلاح فضل، لكن الذي ترأس المجمع هو الدكتور حسن الشافعي، واحسب كم نداءً موجهًا إلى المنظمات الدولية والهيئات الأممية وضمير العالم الثقافي ضد الفاشية والدكتاتورية؟ وكم بيانًا كان سيصدر من الهيئات والمنظمات ووزارات الخارجية الأوروبية تدين وتستنكر وتلوح بالعقوبات؟ وكم دعوة ستطلق للحشد لاحتلال مقرّي وزارتي التعليم العالي والثقافة، والاعتصام حتى يسقط النظام؟
الآن، لم ينبس أحد مما تسمى الجماعة الثقافية ببنت شفة، وهو يتابع فصول التزوير الفاضح والانتقام الفاجر ضد العلامة أستاذ الفلسفة الإسلامية الدكتور حسن الشافعي، صاحب الفوز المسروق في انتخابات مجمع الخالدين، بل أن من هؤلاء "المثقفين" من هنأ صلاح فضل على رئاسة المجمع بقوة السلاح، في مشهدٍ لا تختلف تفاصيله عما جرى قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 وما بعدها، حتى وصلنا إلى "رابعة العدوية"، أكبر مذبحة جماعية في تاريخ مصر، ارتكبتها السلطة، وسط تصفيق حاد من النخب السياسية والثقافية، بزعم إنها (المذبحة) كانت ضرورية لاستعادة مدنية الدولة وإنشاء كباري وجسور التنوير، تمامًا كما يصمتون صمت الحملان على اغتيال الديمقراطية في مجمع الخالدين، زاعمين إن في ذلك انتصارًا للتنوير.
مرة أخرى، يتكرّر الموقف الذي يستسلمون فيه لفكرة الحياة من دون ضمير، ولو لوقت مستقطع، بعضهم خوفاً، وبعضهم طمعاً، وجلهم من باب الانتهازية.