مذكّرات صهر ترامب: فانتازيا سياسية للبيع
لا يكتفي صهر الرئيس الأميركي السابق ترامب ومستشاره السابق، جاريد كوشنر، بالعربدة الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي يعتبرها الـ play zone المفضلة له منذ غادر البيت الأبيض، صحبة رئيسه وحميه ترامب. إنه يمارس العربدة بالمذكّرات، فيغمز لهذا ويومئ لذاك، على طريقة النكز أداة تواصل على "فيسبوك".
كوشنر مولع بالشرق الأوسط، منذ جاء وزوجته إيفانكا ترامب، مع الرئيس الأميركي الجديد في ذلك الوقت إلى المنطقة، ولم يغادروا إلا ومعهم ما يقرب من نصف تريليون دولار، حصيلة الرحلة، إذ بقي هذا الولع يستبدّ به بعد الهزيمة أمام جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، ما دفعه إلى العودة إلى شرق أوسطه الذي يحبه في العام الماضي، وذلك لجمع الأموال لشركته الاستثمارية الجديدة، بحسب ما نشرته "نيويورك تايمز" في ذلك الوقت.
يعود كوشنر اليوم مجدّدًا إلى الشرق الأوسط عبر صفحات كتاب تحت عنوان "breaking history" يبيع من خلاله أسرارًا عن حكام المنطقة، تثير شهية القراء والمتابعين، وتحقّق أرباحًا إضافية من خلال أرقام توزيع مرتفعة، إذ يقدّم توليفة ساخنة من التسريبات عن الجنرال عبد الفتاح السيسي، وعن ولي العهد السعودي، وكذا حكّام الإمارات.
في تناوله العلاقة بين السيسي وإدارة ترامب، يأتي كوشنر بحكاية مثيرة عن أول اتصال بينه وبين حاكم مصر، إبّان حملة ترامب الانتخابية، فيروي أن فريق ترامب شعر بالقلق من قيادة الدبلوماسية المصرية مشروع قرار داخل الأمم المتحدة للتنديد بالمطالبات القضائية الإسرائيلية في الضفة الغربية باعتبارها بلا شرعية قانونية وانتهاكا صارخا للقانون الدولي. أزعج هذا الأمر ترامب ومجموعته، فأصدر الأخير بيانًا يقول فيه "لن يتحقق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس من خلال فرض شروط من الأمم المتحدة. هذا يضع إسرائيل في موقف تفاوض سيئ للغاية، وهو غير عادل للغاية لجميع الإسرائيليين".
يحكي كوشنر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ اتصل في اليوم التالي لإبلاغنا أن فريقه لم يكن يعمل تحت إشرافه، وأن مصر ستلغي القرار"، وعلق كوشنر في كتابه: "للحظة، بدا الأمر كأننا نجحنا، وكان لنا تأثير بالفعل"، وفق ما نشرته شبكة سي أن أن.
دعك من تأكيد المؤكد فيما يخص الكيمياء المشتركة بين جنرال مصر وتاجر البيت الأبيض الجديد القادم من الحزب الجمهوري، محمولًا على الدعم الكامل من اللوبي الصهيوني، فما يلفت النظر أكثر هنا هو هذا التشديد على أن الدبلوماسية المصرية، ممثلة في وزارة الخارجية وبعثتها في الأمم المتحدة لا تمثل مصر ولا تعبر عن الموقف المصري، بحسب عبارة السيسي التي أذاعها كوشنر "فريقه لم يكن يعمل تحت إشرافه وأن مصر ستلغي القرار".
أنت هنا بصدد مصرين، فهناك مصر التي تبنّت مشروع قرار ضد الاحتلال الصهيوني، وسط إشادة كبيرة من الشارع العربي والفلسطيني، ومصر أخرى يعبر عنها الجنرال السيسي، وتتخذ مواقف عكس ما تراه دبلوماسيتها المعتمدة خارجيًا.
هذا الإلغاء لقرار ضد إسرائيل هو كذلك إلغاء لدور الدبلوماسية المصرية، بما يجعلها محض ديكورٍ مكمل، بينما القرار هناك خاضعٌ لرغبة شخص واحد يعلن، طوال الوقت، أنه يرى ما لا يراه الآخرون، ويفهم ما لا يستطيع الآخرون فهمه وإدراكه.
هو المنهج ذاته الذي أدخل حقوق مصر المائية في التيه، ومنح إثيوبيا ما لم تصل إليه أحلامها وأطماعها في مياه النيل، وجعلها تمضي في مشروع سد النهضة إلى أبعد مما خطّطت له.
ما كشف عنه كوشنر في كتابه ينتمي إلى عالم الفانتازيا السياسية، تلك الفانتازيا في ممارسة السلطة تؤشّر إلى أننا بصدد دولة، كل مؤسساتها معطّلة بالكامل، وتدار فقط بقرارات شخص، هو الحاكم بأمره، في كل شيء.