مرحباً بكم في هولوكوست الدولة العميقة
أكثر من مذبحة، هذا الذي تمارسه دولة السيسي مع قضاة مصر هذه الأيام، هو الهولوكوست المصري الذي لو عرضته على هتلر، سيحمر وجهه خجلاً، اعترافاً بأنه مجرد تلميذ مبتدئ أمام النازية المصرية.
ستون قاضياً، جلهم من تيار الاستقلال الذي تصدى لجبروت دولة مبارك في ثورة العدالة 2005، يساقون إلى المحرقة في زمن السيسي، بتهمة الانخراط في الأحداث السياسية العامة، بينما الثابت، بالقول والفعل والصوت والصورة، أن قضاةً آخرين موالين للانقلاب كانوا في قلب المشهد الانقلابي. التحضير للانقلاب كان يجري على قدم وساق في مقر نادي القضاة الذي يرأسه واحد من رموز الثورة المضادة، رئيس المجلس الأعلى للقضاء كان حاضراً خلف السيسي على منصة إعلان الانقلاب.
ولو ابتعدت قليلاً عن مذبحة القضاء، ستقابلك مجزرة تقطيع جثة ثورة يناير، في ظل هذه الحملة الهمجية، أرضاً وفضاءً، لاقتياد كل من شارك فيها إلى جحيم مستعر، يبدأ بالمنع من السفر، ويمر بدعاوى ودعوات إسقاط الجنسية، ولا ينتهي عند المطالبة بالإعدام الجماعي لناشطيها.
لقد كان ذلك واضحاً منذ ما قبل إطلاق الموجات الأولى من الانقلاب، والتي بلغت ذروتها في 30 يونيو/حزيران 2013، وتجلت المعادلة بوضوح كامل، وقد كتبت صبيحة الثالث من يوليو، يوم الإعلان رسمياً عن عسكرة مصر، أقول "غضب مني بعض الأصدقاء حين قلت نصاً "إن من لا يريد أن يرى أن النزال العنيف، الآن، هو بين دولة مبارك ودولة ٢٥ يناير، حر فيما يراه ويعتنقه، غير أن العقل يأبى أن يعتبر ثورة اختارت الخامس والعشرين موعداً لها، لتكون ثورة ضد قمع الشرطة بالأساس، شبيهة بأخرى تتصدرها مسيرات بوليسية بالزي الرسمي".
إن يناير كان شهر ميلاد الثورة، بينما يراد ليونيو أن يكون تاريخ وفاتها ومواراتها الثرى، لتحقق مقولة الجنرال "ثورة على الثورة"، وبالتالي، فهي ثورة مضادة بامتياز.
واليوم، أرجو أن يكون الأصدقاء قد تبينوا مواقع أقدامهم، وتابعوا بدقة تلك الطلعات المكثفة لجحافل الدولة العميقة، مساء الإثنين، على جميع الفضائيات، مشحونةً بكميات هائلة من الثقة والتوثب، على إثر بيان القوات المسلحة الذي تعلن سطوره أن الانقلابات ليست من عقيدتها، بينما يصرخ ما بين السطور، ويزعق مضمون البيان بانقلاب أبيض، أو أخضر ناعم هادئ أنيق.
ومرة أخرى، من لا يريد أن يرى أن اللعب أصبح على المكشوف، وأن الصراع على السلطة بين الدولتين صار واضحاً، كما لم يحدث من قبل، فهو حر فيما يرى، غير أن القراءة الموضوعية لبيان القوات المسلحة تقول، بجلاء، إن الجيش صار مصدر السلطات في مصر، يرفع من يشاء ويسقط من يشاء، مكرساً سيادة منطق القوة المادية على ما عداها، لتتوارى قيم الديمقراطية المستقرة والمبادئ الدستورية والغايات الثورية، ولتعلو قوة السلاح على قوة العقل والعدل وندخل زمن "الديمقراطية بالأمر المباشر".
كان هذا ما سجلته صباح يوم إعلان الانقلاب رسمياً، واليوم، لا أجد ما يمكن إضافته، فهل لدى ثوار يناير أقوال أخرى، بعيداً عن الاستئساد الرخيص على محمد مرسي ومن معه من المسجونين؟
السكين على رقبتكم جميعاً، فكفوا عن هذا العبث، لا مكان لأحد منكم تحت سماء الانقلاب.