معادلة جديدة في الأردن
ثمّة مخاوف وأجواء قلق لدى دوائر القرار في أكثر من عاصمة اقليمية إثر الصعود المفاجئ للتيار الإسلامي في انتخابات مجلس النواب أخيراً في الأردن، والذي ربما يفرز حالة استقطاب من نمط مختلف، تتطلب التكيف والتماهي معها، كونها تجيء خارج السياقات التي اعتاد النظام العربي التعامل معها في العقد الأخير الذي شهد الانقلاب على حكم "الإخوان المسلمين" في مصر، وانحسار تأثير التيار الإسلامي السني في العراق في ظل سيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم، وكذلك هزيمة القوى الإسلامية المعارضة حكم بشار الأسد في سورية.
وفي ظل المشهد الجديد، تتضح حالة ضمور الصوت العروبي القومي في الأردن الذي شكل، عقوداً، واجهة عريضة للتيارات الشعبية، ورافعة مؤثرة في الخريطة السياسية الأردنية. وبالطبع، وراء ضمور هذا الصوت عوامل متعددة، منها سقوط نظام "البعث" في العراق، وما شكله من هزيمة للحركات القومية بشكل عام، وكذلك تتضح أيضاً حالة انكفاء تيار اليسار الأردني على نفسه وعدم قدرته على التغلغل في أعماق المجتمع، وحتى في نفوس مريديه وأتباعه.
أزيد من ذلك أن ما يبلور حالة الاستقطاب هذه أن للأردن وضعه الخاص بحكم موقعه الجغرافي المعقد الذي يضع البلاد وسط ساحاتٍ لكل منها مدار معلوم، سورية والعراق والسعودية والضفة الغربية و"إسرائيل"، وكذلك بحكم إمكاناته الاقتصادية القاصرة التي لا يحسد عليها، وهناك أيضا الثقل التاريخي لبعض العشائر التي درج أهل الحكم على إرضائها وتطمين مصالحها، ويفرض هذا كله على الأردن، دولة وسلطة، التزامات وضغوطاً مختلفة تأخذ من جرفه في مواجهة التحدي الجديد.
ما العمل إذن؟ أردنيا، بالنسبة لأهل الحكم "التقليديين" الذين اعتادوا رسم السياسات العليا للأردن دائما، والذين لم تستطع الأحزاب الموالية أن تحقق لهم ما كانوا يأملونه، يشكّل صعود "الإسلاميين" معضلة صعبة لهم، لا بد من النظر إليها بحجمها الصحيح، وبإيجابية، وعدم تجاهلها، وصياغة خطوط معادلة تعطي للإسلاميين حصّة في الحكم تمكنهم من التعبير عن هواجسهم، وطرح ما يختزنونه في رؤوسهم من أفكارٍ يمكن أن تُغني مسيرة البلاد. وفي المقابل، على القيادات الإسلامية التي اعتادت التعامل مع السلطة من موقع المعارضة والنقد، وأحيانا النقد المبالغ فيه، أن تخفّف من غلوائها، وتستجيب لنداء المصلحة الوطنية العليا، وتسعى إلى حلول عملية لمعالجة المشكلات التي يعاني منها البلد، والتصدّي لما تفرضه المرحلة الجديدة من تحدّيات، والنظر الى تجارب الحركات الإسلامية في أكثر من بلد عربي، والإفادة من دروسها، خاصة وأن بعضها عجز في خطابه عن مخاطبة الأطياف الأخرى في مجتمعات متنوعة، وغير متجانسة فكرياً، ما أحدث نفوراً منه، وخصومة معه.
الحذر مطلوب من أن ينتشي "الإسلاميون" بالفوز الذي حققوه في الانتخابات البرلمانية الأردنية، وهو فوز يظلّ موضع اختبار
إلى ذلك، ليس سهلا هنا القول بإنضاج صيغة أردنية نشطة وفاعلة تتوفّر لها عوامل الاستقرار والثبات وسط رمال متحرّكة في كل الاتجاهات، إلا إذا توفرت الحكمة لدى صانعي القرار من أهل الحكم، ومن "الإسلاميين" الذين قد لا يدرك بعضهم أنهم يقفون في منتصف طريق بين أن ينعم الوطن الأردني بقدر من الاستقرار والطمأنينة وأن تعصف به رياح الفوضى التي يُراد لها أن تطبق على العالم العربي كله. والحذر هنا مطلوب من أن ينتشي "الإسلاميون" بالفوز الذي حققوه، وهو فوز يظلّ موضع اختبار، خصوصاً وأن هناك قوى سوف تعمل ما أمكنها العمل على محاصرته، والسعي إلى تطويق تأثيراته الإيجابية، وإظهاره عاملاً مهدّداً لبنية المجتمع الأردني، ووحدته.
عربياً، تزداد الخشية لدى من هم في دوائر القرار، بخاصة الذين يحملون موقفاً مسبقاً من التيارات الإسلامية التي لا يروْن فيها سوى عملية رجوع إلى الوراء، ولغة قديمة قد تعصف بكل عوامل التقدّم والنهوض، وقد يستدعي هؤلاء أطرافاً خارجية لمحاصرة "الإسلاميين" وشيطنتهم.
إقليميا، سيجد الإيرانيون الفرصة أمامهم لتطوير نوع من العلاقة تخدم المشروع العرقي الطائفي الذي يعملون عليه أكثر من أي شيء آخر، ولهم خبرتهم في هذا المجال، وتجربتهم في التحالف مع حركة حماس ستكون المثال الذي يطرحونه لدعم مزاعمهم، مع أنهم تنكّبوا عن تطبيق شعار "وحدة الساحات" عندما أطلقت حماس "طوفان الأقصى".
إسرائيليا، سيكون أمام الفئة الحاكمة في تل أبيب المبرّر لإحكام الضغط على الأردن، وإلقاء تهمة "الإرهاب" على التيار الإسلامي الصاعد، وتحذير العالم منه، وقد يجد اليمين الإسرائيلي سببا آخر لاستمرار حرب إبادته الفلسطينيين.
وفي كل الأحوال، يمثل صعود الإسلاميين فرصة نادرة لاختبار قدرة الأردنيين، والعرب جميعا، على التكيّف مع المستجدّات، وتحويلها إلى عامل قوة وإغناء على صعيد المجتمع، والنظام العربي بشكل عام.