معركة بوتين في الربيع
بعد عام تماما على بدء المغامرة الروسية في أوكرانيا، تبدو المنطقة على عتبة هجومٍ جديدٍ مع بدء فصل الربيع، وهو ما يمكن أن يُعدّ محاولة بوتين الثانية لتحقيق انتصاره على كييف. يحتفظ بوتين بما يُقدّر بـ20% من الأراضي الأوكرانية، وكان قد خسر الكثير خلال الأشهر الأربعة الماضية، وهو يحلم طبعا بالسيطرة على مساحة أوسع، يستطيع عبرها أن يهيمن على أوكرانيا، ويحرمها من وضعية الدولة المستقلة. وفي التحضير للهجوم الربيعي، يحاول الطرفان حشد أكبر قوة سياسية وعسكرية لوقف تقدّم الطرف الآخر. تبدو الجبهة الأوكرانية بمنتهى القوة، وقد تعزّزت بزيارة بايدن الرمزية إلى العاصمة كييف، حيث مشى مع الرئيس زيلينسكي في شوارعها، وكأنه يريد الإشارة إلى أن هذه العاصمة قد أصبحت من الخطوط الأميركية الحمراء. وعزّز زيارته بقوله الصريح إن خسارة أوكرانيا الحرب شيء لا يمكن أن يحدُث. وقد جاءت الزيارة بعد وصول الدبابات الأوروبية والأميركية الحديثة مع حمولات كافية من الذخائر إلى خطوط أوكرانيا القتالية. وكانت السياسة حاضرة أيضا، فقد اجتمع بايدن بقادة الجناح الشرقي لحلف الناتو، وأكّد مرة أخرى على متانة الموقف الأميركي الذي التزم بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ومنعها من الانهيار، وكان بايدن صريحا ومباشرا في خطابه في وارسو، بالقرب من قلعتها التاريخية المزيّنة بعلم أوكرانيا، حيث قال إن هذه الحرب هي حرب بوتين، وإن شهوته للحرب والسلطة ستفشل.
في الوقت ذاته، كان بوتين هو الآخر يوضّب أدواته وعتاده السياسي والعسكري والخطابي، فقد تحدّث ساعتين أمام حشد من النواب الروس، وهو يستعرض "آفات الغرب وانحلاله الأخلاقي"، ووجّه تهديدا نوويا غير مباشر بإعلانه أن بلاده ستعلّق مشاركتها باتفاقية "نيو ستارت" للحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وكانت خطوته الدبلوماسية استقباله مسؤولا أول في الحزب الشيوعي الصيني. وعلى سبيل التمويه على إمكانية دعمها روسيا بالذخائر، قدّمت الصين مبادرة سلام تغطّي زيارة مسؤولها الكبير إلى موسكو، مع إبداء التعاطف العلني، وكانت حريصة على أن يكون عنوانها التفاوض واحترام استقلال الدول، وهو ما ترغب أوروبا بالذات بسماعه، ولكن مشهد الفصل الثاني من الحرب اكتمل بتحديد المواقف وجهات التحالف، والميدان، بالطبع، هو أوكرانيا والطرق الرئيسية التي تصل إلى الحدود الروسية، وربما البيلاروسية، مع كييف. وكان بوتين قد أكّد أن روسيا لن تُهزم. ويمكن قراءة خطابي بايدن وبوتين قراءة متقابلة، فيصرّ الأول على عدم خسارة أوكرانيا، فيما يصرّ الثاني على أن روسيا لن تُهزم! ما يعني أنه لن يكون هناك مهزوم، ويجب البحث عن صيغة ليظهر الجميع منتصرا. ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الصيغة ستجد طريقا لتحقيقها قبل معركة الربيع الروسية أم بعدها.
ستعتمد أوكرانيا في جولة الحرب المقبلة على ما تحصل عليه من سلاح، ويمكن لها أن تعوّل على هذه النقطة، فقد برهن الأوكرانيون أنهم قادرون على مواصلة القتال، وقد شهد الجزء الأخير من حرب العام الماضي على هذا، ما عزّز عزيمة الغرب على مواصلة التسليح، فيما كان الروس فاتري الهمّة وغير قادرين على تنفيذ الهجومات الكبيرة، ولا على الاستمرار فيها، وقد فقدوا جزءا مهما من قواتهم المسلحة، فاضطرّوا معه إلى الاستعانة بالاحتياط، وواجهوا نقصا حادّا في الذخائر ووسائط الهجوم التقليدية الأخرى، فاستعانوا بإيران، وهم الآن يتطلعون إلى الصين. وفي هذه الظروف، يصبح واضحا أن الجيش الأحمر السوفييتي شيء مختلف تماما عن جيش روسيا الحالي. وفي ضوء اعتماد الحرب على كل ما هو خارجي، قد يكون بوتين ما زال يعوّل على انهيار الحلف الغربي، ولكن أمرا كهذا صعبٌ، بعدما تجاوز الغرب أزمة الشتاء، وارتفع منسوب ثقته بأوكرانيا واشتدّت كراهيته لبوتين ونظامه.