مفيد فوزي.. المعنى في بطن الحاكم
المصطلحات، مثل الكائنات الحية، تتخذ أطواراً وأشكالاً مختلفة، بمرور الزمن، فتجد المصطلح الواحد يكتسب مدلولاتٍ متباينةً بتعاقب العصور، ولكل مصطلح دورة حياة، وسيرة ذاتية، استوقفت المفكرين، وأذكر كتاباً جميلاً لأستاذ الفلسفة الدكتور محمود رجب، بعنوان "الاغتراب.. سيرة مصطلح"، كان بحثاً مدهشاً في سيرورة مصطلح الاغتراب وصيرورته عبر العصور.
وفي الصحافة المصرية المعاصرة، هناك مصطلحات ذائعة، منها مفيد فوزي، وهو مصطلح يسري عليه قانون التغير والتحور والتطور، مثل الكائنات الحية، فتجده يكتسب مدلولاً في زمن ثمانينات القرن الماضي وتسعينياته، ثم يتخذ معانٍ أخرى في عصور أخرى، يتحور خلالها على نحو قنفذي، فتجده شرساً متوثباً في أوقات، وكامناً مستكيناً في أُخَر.
بعد ثورة يناير 2011، كان مفيد فوزي لابداً في أحراش الصمت، كامناً لا ينطق، بعد سقوط حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي، وحين جاء العام التالي، وشمّت الثورة المضادة أنفاسها، وثب مفيد فوزي من الحطب، ومد أشواكه المدببة، ثم حين استتبت الأمور لانقلاب عبد الفتاح السيسي، انتقل مفيد فوزي من الحالة القنفذية إلى حالة ضبع صحراوي، يرتدي جلد نمر، ويريد من الناس أن يعاملوه باعتباره نمراً، بين الجميع يدركون أنه ضبعٌ ليس أكثر.
في أحدث أطواره، ينطلق مفيد فوزي ناشباً مخالبه في لحم المصريين، ليقرّر، بيقين قاطع، أن كل من يعارضون عبد الفتاح السيسي، ويرفضون استمراره في قيادة مصر إلى قاع المستنقع، هم الحثالة، وما دونهم هم البشر، ينطقها وعيناه ممتلئتان بقذى الكراهية، وحنجرته محشوّة بصديد العنصرية والفاشية، إلى الحد الذي يبدو معه المذيع المحرّض على القتل والإبادة حملاً وديعاً.
في العام 2012 حاولت وضع تعريف لمفيد فوزي، فقلت إن معناه فى قاموس مصر المعاصرة أن تكون جسورا وهصورا فى معارضة من بيده السلطة، إذا أهمل فى الاعتناء بصحته بعض الشيء، وأن تصرخ فى وجهه، إذا تهاون فى قمع معارضيه والتنكيل بهم.
مفيد فوزى أن تضبط ساعتك على العاشرة من مساء كل 25 يناير، لتجلس بين يدي وزير الداخلية، حبيب العادلي، تلقى عليه أسئلة ناعمة مهذّبة وتصفق للإجابات، وتوقع بالاقتناع بحكمة (وروعة) كل كلمة يقولها الوزير، حتى لو كانت تأتأة.
مفيد فوزى أن تعلن فى مارس/ آذار 2009 أنك مع جمال مبارك رئيسا لمصر، وتقول لمعتز الدمرداش فى برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور "أقولها بصراحة وبهدوء: جمال مبارك رئيسا لمصر وهو ذكي جدا، ولن أقول أكثر من ذلك، حتى لا تقول إننى أمتدح الرئيس القادم لمصر.. جمال أشرف من الإخوان المسلمين، والذين قد يعيدوننا 50 عاما إلى الوراء"، ولذا "سيعطى صوته لرجل الحزب الوطني، لأنه سيكمل مسيرة النجاح، وينتصر للأمل، ومصر حبلى بالمفاجآت". ثم تقول بعد سقوط العائلة المباركية إن المخلوع كان ضحية طمع زوجته وولده.
في يناير/ كانون الثاني2012، حاول مفيد فوزي أن يرتدي وجهاً مختلفاً، يساير به الثورة، ويتمرّد على وظيفته الوجودية، كممسحة للزجاج الخلفي لسيارات الطغاة، فكتب في صحيفة المصرى اليوم مقالاً عن النفاق والمنافقين، تشعر مع كل سطر فيه أن مفيد فوزي يكتب عن مفيد فوزي، إذ يقول: "حب مصر لا يحتاج لزئير حناجر، ولا لغناء على الربابة، فقط بالبناء والبدء بالذات بلا مليونيات.. وظني أن بطل كل الذي جرى، وما زال يجري، هو النفاق، وجذوره الحقد الأسود والتبعية العمياء، ودائما آخر النفاق هباب، ويرقد المصريون على بركة من النفاق، فرضها الفرعون والنظم والأنظمة، وقد صار النفاق في الجينات، لأنه موصل جيد للحرارة لمن بيده الأمر والنهي، من أول فرّاش على باب رئيس الأرشيف إلى غاية الحاكم الذي يركب أعلى ما في خيله.. بعض الناس يتنافسون نفاقا، ويجعلون من الخد مداسا لقدم الكبير، ومن المؤكّد أن الثورة الينايرية قد أسقطت نظاما، وأطاحت بحاكم، ولكنها لم تدك قلاع النفاق، فما زالت النفوس تهنج أمام كلمة نفاق، وتحتاج إلى شاحن ضمير".
الآن يستعيد المصطلح مدلوله الأول، وكما كتب عن فنون نفاق السلطة وأساليبه، تطبيقاً لقاعدة اسأل مجرب، ولا ينبئك مثل خبير، ها هو يفتيك في الحثالة.