من أعاجيب حصار قطر

04 يونيو 2018
+ الخط -
عشيّة اكتمال عامٍ على قرارات "5 يونيو" الإماراتية السعودية المصرية البحرينية، بمحاصرة دولة قطر ومقاطعتها، تتدحرج أمام الناظر في المياه المالحة التي جرت في أثناء هذا العام أعاجيبُ غزيرةٌ، تتقدّمها أن الرياض، أيضا (!)، تتّهم الدوحة بدعم الإرهاب وتمويله، فيما الأدعى لها أن تردّ جبالا من تهمٍ من هذا اللون لا تنفكّ تُذاع ضدها، فذلك قانون جاستا الأميركي يؤشّر صراحةً إلى مسؤوليةٍ على السلطة في العربية السعودية عن ارتكاب جرائم إرهابية. لا يجوز لأيٍّ منا، نحن أهل التعاليق الصحافية، تصديق هذا الكلام أو نفيه، فذلك من اختصاص أجهزةٍ مهنيةٍ ومستقلة، وليس الصحافي مدّعيا عاما ولا محاميا. يكفيه، مثلا، أن يضيف إلى هذه الأعجوبة في اتهام الدوحة بدعم الإرهاب وتمويله أن الوسيط الكويتي طلب من الرياض وأبوظبي، شفاهةً وفي خطابات مكتوبة، غداة اندلاع أزمة "5 يونيو"، قرائن على هذا الاتهام، فكانت آذان العاصمتين، وشقيقتيهما المنامة والقاهرة، من طينٍ ومن عجين، فلم يصل إلى الكويت شيءٌ مما طلبت. كما قال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطابه أمام مجلس الشورى، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن مسؤولين أجانب عديدين طالبوا دول الحصار بتقديم الدليل على مزاعمها، فلم تقدّم أيٌّ منها شيئا. 

الأعجوبة الثالثة بشأن حدوتة صلة الدوحة بالإرهاب أكثر إدهاشا ربما من الاثنتين أعلاه. موجزها أن قطر ما زالت عضوا في "مركز استهداف تمويل الإرهاب" (مقرّه الرياض)، والذي يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست، مع شراكةٍ أميركيةٍ، وتم إطلاقه في أثناء زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الرياض في مايو/ أيار العام الماضي، أي أياما فقط قبل الليلة التي افتتحت بها العواصم الأربع الأزمة الماثلة. والأهم من ثبات عضويتها في المركز أن الدوحة شاركت في الاجتماع الأول للجنته التنفيذية، في الكويت في مارس/ آذار الماضي، وتم فيه الاتفاق على تسمية الدول الأعضاء في المركز ممثلين لها وضبّاط اتصال، ليتم التواصل فيما بينهم. وحسب وكالة الأنباء الكويتية في حينه، فإن "أمورا كثيرة" تم التوافق عليها في الاجتماع. كما شهد شهر مايو/ أيار الماضي اجتماعاتٍ، في الكويت أيضا، لممثلي الدول الأعضاء الست في المركز، بمشاركةٍ أميركية، تقرّر فيها اعتبار عشرة من قادة حزب الله إرهابيين.
تدلّ اجتماعات الكويت تلك، كما عضوية قطر إلى جانب حماة الأمة من الإرهاب ومقترفيه، أصحاب مشاعل التنوير في الفضاء العربي، العربية السعودية والإمارات والبحرين، على أن ثمّة أداءً كاريكاتوريا في طبخ القائمين على القرارات السياسية والأمنية في البلدان الثلاثة، لمّا اختاروا الإرهاب، وليس شيئا آخر، لطعن قطر بشأنه، فهم إما كانوا يمزحون، أو ربما كانوا يسلّون صيامهم في شهر رمضان العام الماضي، عندما ظنّوا أزعومة الإرهاب أساسا متينا لإسناد قرارات "5 يونيو" به، أو أنهم لا يملكون الحقّ في توزيع اتهامات الإرهاب كيفما اتفق، طالما أن واشنطن هي صاحبة الولاية الأولى في أمرٍ كهذا، وطالما أنها "شريكٌ" في "مركز استهداف تمويل الإرهاب". ويحسن أن لا يغفل أولئك عن أن الإشادات الأميركية بجهود الدوحة في محاربة الإرهاب لم تعد تنقطع، ومن جديدها أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، جدّد هذا، في اتصال هاتفي مع نظيره القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في اليوم نفسه الذي كان ممثلو الإمارات والبحرين والعربية السعودية يشاركون نظيرهم القطري في اجتماعات الكويت في بحث محاصرة تمويل الإرهاب.
واحدةٌ أخرى من أعاجيب قصة الإرهاب المتحدّث عنها هنا أن واحدا من المطالب (الشروط) الـ 13 التي أشهرتها الدول المذكورة أعلاه، أن تدفع قطر تعويضاتٍ لدول الخليج عن "الخسائر في الأرواح" و"الخسائر المالية الأخرى" الناجمة عن سياستها.. تُرى، هل حدّق من كتب هذا التخريف جيدا فيه، قبل أن يذيعه، أي أرواحٍ تلك وأي أموال هذه؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.