من سيتحلّى بالشجاعة بعد ممدوح حمزة؟
أعلن المهندس ممدوح حمزة، أحد أهم أعمدة ثورة يناير في مصر وهوجة المغربية في 30/ 6 (2013)، اعتذاره عن اشتراكه في 30/ 6، مع طلب سماح الله، وهي بادرة شجاعة من رجل شجاع أصاب، في يناير، بجهده وماله وقدراته، وأخطأ في 30/ 6، بعدما اكتشف الملعوب "الذي كان ظاهراً من الأصل"، أعلن بكل شجاعة، قبل أيام، اعتذاره عن اشتراكه في 30/ 6. وتلك بادرة طيبة على أي حال، فتحيّة لشجاعته في أوقاتٍ تعب فيه كثيرون، بل زهد في العمليّة برمتها، وبعضهم اكتفى بالصمت في المهجر، منسحباً من كل شيء، وفي الداخل أيضاً بعد التخويف والسجون والقتل والفصل من العمل، علاوة على المراقبات الأمنية التي تشبه الحبس اليومي داخل المنازل... فهل يفعلها محمد البرادعي (صندوق أسرار العملية كلها) أم سوف يكتفي بتصريحات مواربة وانسحابية، كل آن، على سبيل "الحضور الحيادي هناك"، بعدما حضر أوائل الوليمة، ثم هرب بناء على توجيهات، تاركاً الجميع في حيرة السؤال والتأويل، لماذا جاء أصلاً، ولماذا هرب قبل حمّامات الدم؟
نعم، تم الإعداد لـ 30/ 6 جيداً من خلال دولة رجال المال والأعمال مع الدولة العميقة بكل أجهزتها السيادية قبلها بأكثر من سنة، ومن قبل حتى وصول المرحوم محمد مرسي إلى الرئاسة "المؤقتة". كان الإعداد لـ 30/ 6 يتم في حماية القضاء والشرطة. قال وزير الداخلية الأسبق، محمد إبراهيم، صوتاً وصورة: "كنت أعمل ضد مرسي قبل 30/ 6 بأربعة شهور". إلا أن الأخطر من 30/ 6 هو الإعداد المدني والأدبي والمالي والإعلامي لها، كفرشة ممهّدة لساعة الانقضاض. وفي اعتقادي، هذا الجزء المهم، الإعداد السرّي لـ 30/ 6، هو الجزء الأخطر، وهو يمثل الـ 90% من جبل الثلج الغاطس في بحار ما تم. وعلّ المهندس ممدوح حمزة "رغم شجاعته محلّ شكرنا". هو يقصد الاعتذار بلباقة عن هذا الجزء المهم والغاطس كثلج تحت مياه بحار الأحداث الخفية التي مهدت لزوبعة مغربية 30/ 6، فهل يفتح الرجل الباب أمام جبل الثلج الغاطس أسفل أحداثٍ مرّت عليها سنوات تسع إلا قليلاً؟ أم سوف تلجم المصالح والمخاوف بقية الأفواه التي أعملت معاول الهدم في جسد أول ثورة شعبية نادرة في تاريخ مصر الحديث.
سنكون نحن بعد شهر وأيام في ذكراها الـ 12، إن مدّ الله في أعمارنا، فرحمة الله على من استشهد فيها، وسامح الله من بالخطأ غدر بها، وسامح الله أيضاً من تحلّى بالشجاعة واعتذر، أما من نالوا مصالحهم، فهؤلاء "ليس عندهم أفضل من ذلك"، ومن 7000 سنة سابقة أيضاً.
أتذكّر، وهذا للتاريخ والله لا للوم أحد، أن من التجهيزات الإعلامية لأحداث الانقلاب المصنوع والمتّفق عليه في استديوهات رجال المال والأعمال شاهدت سواطير إبراهيم عيسى ومناشيره وكاوتشاته المنفوخة والمعلقة على حوائط الاستديو والمكتوب تحتها "انتهت 80 يوم من الـ 100 يوم يا معلم". علاوة على بط توفيق عكاشة وشتائمه وغيرها. وشاهدت أيضاً ذلك "الخروف" الأملح الأقرن الذي أرسله المهندس ممدوح حمزة إلى برنامج الممثل هاني رمزي، وذلك في الأيام التي كانت الحكومة تستورد، بتراب الفلوس الشامي الأصفر، من أميركا لخرافها قبل أن تحول أميركا 40% منه إلى طاقة عضوية، وصار في الأسواق كالذهب الأحمر أو الكبريت. كانت كل تلك المشاهد المعدّة بحرفية عالية في الاستديوهات كتمهيد ساخر لإهانة شخص الرئيس، تمهيداً لـ 30 /6. وبالطبع ملأ الممثل هاني رمزي الاستديو بالضحك والظرف المصنوع مع المهندس العبقري الذي كان من لبنات ثورة يناير، والآن يأتي مع "خروفه" نكاية وسخرية من شخص الرئيس.
كانت مطابخ الإعداد في قمة صناعتها تمهيداً لذلك اليوم، مع نساء الشوارع بالملاءات اللفّ والنظارات السوداء أمام بوابة قصر الاتحادية وعيال الشوارع بالطوب أمام سميراميس.. إلخ. وكان الممثل الكوميدي أحمد رزق وقد دخل، قبل الخروف، بأنبوبة بوتاغاز إلى نفس الممثل هاني رمزي، تعبيراً عن شحّ الغاز وغلاء سعره، وكان سعرها آنذاك ثمانية جنيهات. وعليك أن تعرف أن سعرها الآن 80 جنيهاً كي تكتمل الكوميديا. أما المضحك، أيضاً، أن أحمد رزق الذي كان في تلك الأيام نجماً أصبح نسياً منسياً، وهاني رمزي نفسه الذي كان نجماً حضر فيلمه الأخير خلال حفلتين فقط 500 مشاهد، ثم رفع فيلمه من قاعات السينما تمهيداً لسنج محمد رمضان وسيوفه وأغانيه، فهل هناك انتقام أقدار أكبر من ذلك. وعلّ الله يسامح، وهو المسامح من قبل ومن بعد.