من سيفوز في الانتخابات الأميركية؟
يتوجّه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الاقتراع اليوم الثلاثاء لكي يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، التي تشهد منافسةً حاميةً بين كلّ من مرشّحة الحزب الديمقراطي، نائبة الرئيس الأميركي الحالي كامالا هاريس، ومرشّح الحزب الجمهوري، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ويطرح السؤال بقوّة بشأن من سيفوز فيها، وذلك على الرغم من أن النظام الأميركي حصر المنافسة في الانتخابات الرئاسية بين مرشّحين اثنين فقط، يفرضهما المتنفّذون في أوساط السياسة وأباطرة أسواق المال على الناخبين، وبما يفقدهم حقّ الاختيار الذي يمتلكونه نظرياً أو بالأحرى على الورق. وبالتزامن مع انتخابات الرئاسة، سيدلي الناخبون الأميركيون بأصواتهم أيضاً من أجل تجديد أعضاء الكونغرس (34 عضواً في مجلس الشيوخ من أصل مائة عضو، وأعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضواً)، إضافة إلى اختيار أعضاء المجمّع الانتخابي، البالغ عددهم 538 عضواً، والذين يمتلكون القرار الحاسم في تحديد هُويَّة المرشّح الفائز في الانتخابات الرئاسية.
لم يحفل سباق الانتخابات الرئاسية في التاريخ الأميركي بما شهده سباق هذه الانتخابات من أحداث دراماتيكية ومفاجآت سياسية وقضائية، جعلتها الأكثر سخونة منذ عدّة عقود، فضلاً عن أن انتخابات الرئاسة باتت أشبه بمبارزة، تتكرّر بشكل دوري كلّ أربع سنوات، بين مرشّحَين من الحزبَين الديمقراطي والجمهوري، يسبقها تصفيات تمهيدية تجري داخل أروقة كلّ حزب بين عدد من المرشّحين المتنافسين، وتنتهي بفائز وحيد ينال ترشيح حزبه لخوص المبارزة الانتخابية النهائية. وقد أظهرت جميع الانتخابات الرئاسية التي جرت في الولايات المتحدة عدم تمكن أيّ مرشّح آخر، من خارج هذين الحزبَين، من اختراق هيمنتهما عليها، وبالتالي فإنّ حظوظ كلّ من المرشّحة عن حزب الخضر جين ستاين، والمرشّح المستقلّ جورنيل ويست، في الفوز بانتخابات اليوم الثلاثاء تبدو معدومة.
الملاحظ في العملية الانتخابية الأميركية ازدياد تأثير "الأموال المظلمة" التي لا يفصح عن مصادرها
اللافت هو أنه مع كلّ انتخابات رئاسية أميركية يُفتَح باب المراهنات على أوسع أبوابه، فتشتعل سوق المراهنة بملايين الدولارات على الفائز بنتيجة الانتخابات، وذلك بحسب مؤشّرات على تقدّم أو تفوّق أحد المرشّحين، وذلك على الرغم من أن سوق المراهنات لا تقدّم توقّعات أكثر دقّة من استطلاعات الرأي التي تجري عشية الانتخابات، حيث أخطأت توقّعات سوق المراهنات في توقّع نتائج انتخابات سابقة كانتخابات 2016 مثلاً، وكذلك أخطأت استطلاعات الرأي في توقّع نتيجة عدة انتخابات. وأسباب ذلك عديدة تتعلّق بالناخبين بشكل أساس، ولا تتحكّم فيها رغبات وميول أصحاب الأسهم في الأسواق أو القائمين على شركات الاستطلاعات، حيث يعود الدور الأكبر إلى الانقسام في المجتمع الأميركي، والمعبّر عنه في مرشّحَين يمثّلان معسكرَين متباعدَين، يقفان على طرفي نقيض في العديد من القضايا الخلافية، لذلك يجري التعويل في الأوساط المهيمنة على الحملات الدعاية الانتخابية لكلا المرشّحَين كي تلعب دوراً كبيراً في جذب وتعزيز مشاركة الناخبين المؤيدين والأنصار، وتحفيزهم للمشاركة بالتصويت بكثافة، إضافة إلى محاولة التأثير في المتأرجحين أو المتردّدين الذين لم يحسموا أمرهم في اختيار أحد المرشّحَين المتنافسَين، حيث تقدر استطلاعات الرأي عددهم بنحو 3 في المائة من الناخبين المُنتظر إدلاؤهم بأصواتهم. وينفق القائمون على الحملات الانتخابية ملايين الدولارات على أنشطة العلاقات العامة والاتصال في المجال السياسي، ويركّزون بصورة أساسية على ما يتّصل بالدعاية السياسية، وخاصّة الإعلانات السياسية في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وإكس، بالنظر إلى أنها باتت منصّات تحوز آليات اتصال سياسي، وتتميز بسرعتها وباتساع مدى انتشارها ونفاذها، وقامت بلعب دور مؤثّر في جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى تزايد تأثيرها العميق في توجّهات قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي.
عموماً يعود تحديد اسم المرشّح الفائز بالانتخابات بين المرشّحين إلى جمهور الناخبين الذين يضعون اعتباراتهم المعيشية والاجتماعية والسياسية فوق كلّ شيء، لكنّ النظام الأميركي منح الدور الحاسم في هذا المجال إلى المال السياسي الذي يجمع خلال الحملات الانتخابية، فيما تقدّر مصادرٌ متخصّصةٌ أن تكلفة الانتخابات الأميركية المقبلة تصل إلى 16 مليار دولار، مسجلّةً زيادة تصل إلى 25% عن الانتخابات السابقة، التي جرت في عام 2020، أمّا الأموال التي جمعها كلّ من هاريس وترامب، خلال هذه المنافسة الرئاسية فوصلت حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 1.6 مليار دولار، بينما تكاد لا تُذكَر الأموال التي جمعها كل من المرشّحين الآخرين ستاين وويست.
المشكلة أن النظام السايسي الأميركي يعتبر تأثير المال السياسي جزءاً من حرّيتَي التعبير والاختيار
الملاحظ ازدياد تأثير المال السياسي في مسار ونتائج الانتخابات الأميركية، بسبب الأموال الضخمة التي يجري ضخّها في العملية الانتخابية، وأضحت تُعرف باسم "الأموال المظلمة"، نظراً لأنها تأتي من مانحين أو منظّمات مجهولة، ولا يتم الإفصاح عنها، الأمر الذي يترك ظلالاً قاتمة على الأصول الحقيقية والدوافع وراءها. وتجد هذه الأموال المظلمة تسويغها في قرار المحكمة العليا الأميركية المعروف باسم "المواطنون المتّحدون" في عام 2010، الذي أثار كثيراً من الجدل، لأنه أتاح المجال أمام أصحاب الشركات وسواهم لإنفاق مبالغ غير محدودة على الأنشطة السياسية والحملات الانتخابية من دون الكشف عن مصادر هذه الأموال، الأمر الذي يتيح للمال السياسي النيل من نزاهة الانتخابات، وبما يضرّ كثيراً بالممارسة الديمقراطية، لذلك بات المهتمون بالشأن الأميركي يطرحون تساؤلات عديدة حول الديمقراطية الأميركية، وعما إذا كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض هي إدارات ديمقراطية حقاً أم أنها إدارات بلوتوقراطية (إدارات الأثرياء)، لأنها تراعي مصالح أصحاب النفوذ من الأثرياء الذين يموّلون الحملات الانتخابية بملايين الدولارات. والمشكلة بالأساس هي في النظام السياسي الأميركي الذي يعتبر تأثير المال السياسي جزءاً من حرّيتَي التعبير والاختيار، ويتيح المجال للمرشّحين جمع أكبر قدر من الأموال كي يتمكّنوا من جمع أكبر عدد من الأصوات والفوز بالانتخابات.