من يقنع حزب الله؟

20 ديسمبر 2024
+ الخط -

مع كل التطورات التي باتت تشهدها المنطقة العربية، وآخرها ما حدث في سورية بعد سقوط نظام بشّار الأسد، يبدو أن حزب الله اللبناني، ومن ورائه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا يزالان يعيشان حالة إنكار أن الوضع السياسي والعسكري في المنطقة تبدّل، وأن الطرفين بحاجة إلى التكيّف معه بدل اجترار الخطاب نفسه الذي كان قائماً ما قبل 7 أكتوبر (2023)، وما قبل الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، وهو تاريخ هروب الأسد.

الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، يعطي الانطباع بأن الحزب ما زال يعيش في مرحلة سابقة، وهو إلى الآن غير قادر على التكيف مع المتغيرات، فالحديث عن المقاومة في الظرف الحالي، وتحديداً في لبنان بعد الاتفاق الذي أوقف العدوان الإسرائيلي، لم يعد بالإمكان صرفه عملياً، خصوصاً مع المضي في تطبيق الاتفاق ووصول أعضاء اللجنة الدولية المكلفة مراقبة تنفيذه وضمان عدم وصول أسلحة جديدة إلى الحزب لإعادة بناء قوته العسكرية. ومع ذلك، نرى أن الشيخ نعيم قاسم لا يزال يتحدث عن المقاومة، وهنا المقصود حزب الله فقط لا غير، وكأنها لا تزال صاحبة قول فصل في تحديد التوجهات السياسية والعسكرية في لبنان والمحيط، وهو أمر مجاف للمنطق.

حتى في الحديث عن سورية وسقوط نظام الأسد، الذي كان، إلى حدّ ما، حليفاً لحزب الله، على الأقل عبر سماحه بعبور الأسلحة الإيرانية إلى لبنان، فإن حديث الأمين العام للحزب تبدّل خلال أقلّ من أسبوع. ففي الأيام الأولى لحملة الفصائل السورية على حلب وحمص، خرج نعيم قاسم ليعلن إرسال قوات من حزب الله لدعم نظام الأسد بوجه "التكفيريين"، وهو الخطاب نفسه الذي استخدمه الأمين العام الراحل لحزب الله حسن نصرالله، قبل عشر سنوات، لتبرير تدخل الحزب في سورية. لم يقرأ قاسم، ومن بقي من قيادات حزب الله على قيد الحياة، المتغيّرات السياسية في المنطقة بعد العدوان على لبنان وقطاع غزّة، وأن المرحلة تحتاج إلى خطاب جديد مغاير.

ومع سقوط النظام في سورية، أطلّ قاسم مجدّداً بخطاب يحمل المضامين نفسها، من دون تغيير، باستثناء إسقاط صفة "التكفيريين" عن فصائل المعارضة السورية التي سيطرت على السلطة. وأقرّ قاسم بأن الحزب خسر خط الإمداد الأساس الذي كان يزوده بالسلاح، لكن اعتبر هذه الخسارة هامشية، والحزب سيبحث عن بدائل. المشكلة في هذه المقاربة ذات وجهين: الأول أنه لا بديل عن خط الإمداد السوري الذي كان يتعرض بشكل دائم لغارات إسرائيلية تقلل من فعاليته، الثاني والأهم هو أن إعادة بناء حزب الله ترسانته العسكرية باتت خطاً أحمر إقليمياً ودولياً وحتى محلياً، مع ما قد يحمله ذلك من إدخال لبنان مجدّداً في دائرة الاعتداءات الإسرائيلية. والبدائل التي يتحدث عنها قاسم تكاد تكون معدومة بفعل الواقع الجديد الذي فرضه اتفاق وقف إطلاق النار.

ومن المؤكد أن حزب الله مدرك لهذا الواقع، لكنه لا يزال يبحث عن خطاب جديد لشد عصب بيئته ومؤيديه بعد العدوان الإسرائيلي وما أفرزه من خسائر على المستوى السياسي والعسكري للحزب، خصوصاً الاغتيالات التي طاولت المستوى الأول من القيادات، وفي مقدّمتهم حسن نصرالله، لذا لا يزال يستخدم تعابير النصر ليؤكد أنه لا يزال موجوداً وفاعلاً.

لكن هل لا يزال خطاب الحزب مقنعاً لجمهوره ومؤيديه. هناك إجماعٌ على أن الأمر ليس كذلك، خصوصاً مع التصريحات الكثيرة من الشخصيات السياسية التي كانت تدور في فلك حزب الله، والتي تؤشّر إلى انفضاض هؤلاء من حول الحزب وتبنيهم خطاباً جديداً مضمونه ضرورة تغيير حزب الله نهجَه بعد ما اعتبر أنه تخل إيراني عنه. وهي قناعة باتت تتزايد بين أوساط جمهور حزب الله، المنتظر تعويضات عن دمار الممتلكات بسبب العدوان، زالمفترض أن يكون أساسها من إيران، إلا أن وصولها لا يبدو قريباً.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".