مهرجون في سيرك الانقلاب
هل كان المدعو إسلام البحيري يتوقع أن هذا الهراء الذي يدور به على الشاشات، يمكن أن يحدث أثراً ملموساً، فيما يخص موضوع الفقه الإسلامي؟
السؤال بصيغة أخرى: هل كان ذلك الشاب ذو القميص المفتوح، على طريقة مطربي الأفراح، ينتظر، هو ومن كلفوه بهذه المهمة، نتائج تختلف عما تحقق؟ وهل كانوا يستهدفون شيئاً غير الذي حصل؟
السؤال ذاته ينسحب على حالة المثقف الباريسي الوجدان، شريف الشوباشي، ودعوته الهزلية لفعل خلع الحجاب في الطريق العام، ويثير الانتباه، هنا، أن أياً منهما لم يغضب، أو يستشعر الحرج، وهو يتلقى ردوداً مهينة من متداخلين، يرفضون هذا العبث المصنوع في ورش دراما سلطة الانقلاب.
واقع الحال أن الشوباشي والبحيري مجرد لاعبين في سيرك، يتحكم في إيقاعه، ومواعيد عروضه، وفقراته، شخص واحد هو المنتج والمخرج والمؤلف والموزع، أو مؤسسة بيدها مقاليد الأمور، تحدد متى يرفع الستار، ومتى يسدل، وفقا للمستهدف من خطط الإنتاج، في هذا التوقيت أو ذاك.
وتقول لنا التجربة إن النظم المستبدة تحرص دوماً على الاحتفاظ بمجموعة من عرائس الماريونيت، أو الأراجوزات، حسب الثقافة الشعبية، تستحضرهم للاستعمال في لحظات معينة، يكون المطلوب فيها تحويل مجرى اهتمامات الناس إلى اتجاهات ومسارات بعينها، بغية الإلهاء أو التعمية، أو التعتيم على أشياء أخرى تدور في الخفاء.
وهكذا، جرى استخدام الشوباشي والبحيري، مرحلياً، وهما بكامل وعيهما، ورضاهما عن الأدوار المرسومة لهما، مثل الدوبلير في أفلام العنف، يتلقى الضربات، ويقفز في النار، بدلاً من البطل، كي يكتمل العرض.
في ثمانينيات القرن الماضي، عرفت مصر نوعاً من هذه الأكروبات الطريفة، بعد مقتل السادات، إذ كانت وزارة الداخلية تقدم برنامجا أسبوعيا على قناة التلفزيون الرسمية، تستضيف فيه مجموعة من أصحاب اللحى الكثيفة، باعتبارهم تكفيريين، فيدخلون في مناظرات مع مشايخ الحكومة، تنتهي دائماً بهزيمة التكفيريين وإعلان توبتهم، على الهواء مباشرة، لينطلقوا بعدها مواطنين صالحين، تمهد لهم الطرق للوصول إلى مقاعد البرلمان، والحصول على توكيلات لاستيراد وتوزيع ماركات الشيكولاتة الشهيرة، مدشنين بذلك نوعاً من السياسيين النظاميين، يلعبون أدوار المعارضة نهاراً، ويتحولون إلى عسس ليلا، من نوعية ذلك النائب السابق الذي كان متهماً في جريمة قتل الثوار بموقعة الجمل.
أيضاً، يمكنك أن تفكر في الأسئلة الواردة أعلاه، وأنت تتابع هذه الحملة الصحافية، في جريدة تابعة لسلطة الانقلاب، ضد ممارسات وزارة الداخلية المصرية، وجرائم ضباط الشرطة، حتى يخال لمن يقرأ أنه يطالع صحافة في دولة مصدرة لقيم حقوق الإنسان، ورائدة في حرية الصحافة.
ما سر هذه الجسارة، في هذا التوقيت، من صحف اشتهرت بالاحتفاء بقتل البشر من المعارضين للانقلاب، ضد جهاز الشرطة المخيف، في دولة ترفع شعار "لا تحدثني عن حقوق الإنسان، إذا كان النظام في حرب على الإرهاب"، ماذا حدث كي تنقلب الصحف الانقلابية على نصف الانقلاب؟
من المؤكد أنها ليست صحوة ضمير، ولا استفاقة مفاجئة، أو استعادة مباغتة للحس الإنساني المرهف، فحجم البطش بالكلمة الذي تمارسه هذه الأوعية الإعلامية، لا يقل عن البطش الذي تمارسه الشرطة، عسكرية وداخلية، بكعوب البنادق وأدوات الصعق الكهربائي وأجهزة التعذيب.
قلت من قبل إن تروس ماكينة الانقلاب بدأت تأكل بعضها، وأظنك تدرك أن المؤسسة العسكرية هي البطل في المشهد الانقلابي، فيما تلعب الشرطة دور "السنّيد"، أو صديق البطل، الذي ينبغي أن يعرف حدوده، ويلزمها، لذا، فقد وقعت الداخلية في شر أعمالها، وارتكبت خطأ لا يغتفر، حين هتف أفرادها في مدينة شبين الكوم "يسقط حكم العسكر".
هنا، كان لا بد من حملة تأديب للشرطة، فلتتحرك، إذن، قطعة من أسطول إعلام السلطة لمداهمة وزارة الداخلية، عبر حملة صحافية، تعرّي جرائمها التي كانت، قبل أيام، بطولات وإنجازات تستحق المكافأة، وتشد أذنها كي لا تنسى نفسها، وتتذكّر أن في هذا البلد أسياداً عسكريين، بيدهم مفاتيح كل شيء، من القصور إلى القبور، ومن يخرج على هذا القانون، يستحق العقاب، وأول العقاب شدّة أذن، فإن تمادى المخطئ، ربما يقطعون أذنه.