نتنياهو المسؤول عن مقتل الأبرياء
استشهاد 30 فلسطينياً في دير البلح بقصف للجيش الإسرائيلي، بينهم أطفال ونساء، ومقتل 12 طفلاً في مجدل شمس، البلدة الدرزية التي احتلّتها إسرائيل وضمّتها إليها، جراء سقوط صاروخ أطلق على الأرجح (؟) من الأراضي اللبنانية على هضبة الجولان... ذلك كلّه في أقلّ من 24 ساعة، هو اختصار مفجع ومؤلم لما يُقارب عشرة أشهر من الحرب المستمرّة التي يتحمّل مسؤوليّتها، أولاً وأخيراً، بنيامين نتنياهو، الذي يجعل إصراره على الاستمرار في الحرب حتّى تحقيق "النصر المطلق" من الحرب الدائرة حرب العار المطلق، والتدمير المطلق، والإبادة المطلقة. خيار الاستمرار في هذه الحرب الوحشية حالياً هو خيار نتنياهو وحده، الذي نجح في تسويقه أمام أعضاء الكونغرس بعبارات برّاقة حظيت مع الأسف بالتصفيق والتهليل من المُشرِّعين الأميركيين.
يعاني دروز الجولان من سياسة التهميش والتمييز التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية اليمينية في حقّهم
للمأساة التي وقعت في مجدل شمس أوجه أكثر تعقيداً ممّا تريد إسرائيل أن تظهره أمام الناس، فالمواطنون الإسرائيليون، الذين يطالب وزير المال بتسلئيل سموتريتش الانتقام لهم، هم المواطنون أنفسهم الذين يُقلّص المُخصّصات الحكومية لهم، وهو الذي حَرَم أخيراً أكثر من عشرة آلاف منزل من الكهرباء في القرى الدرزية بحُجَّة أنّها مبنية بطريقة غير شرعية، ناهيك عن الإهمال الطويل للعناية بالبنى التحتية في هذه القرى. يعاني دروز الجولان، منذ سنوات طويلة، من سياسة التهميش والتمييز والإقصاء التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية اليمينية ضد ّالطائفة الدرزية في إسرائيل، التي بلغت ذروتها مع قانون القومية، الذي أقرّته الحكومة قبل سنوات وصنّفت فيه المواطنين من غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية.
من جهة أخرى، يعتبر سكّان مجدل شمس أنفسهم مواطنين سوريين، رغم قرار الضمّ الذي أصدرته حكومة مناحيم بيغن، زعيم الليكود آنذاك، في 1981، وهم لم يتوقّفوا يوماً عن اعتبار أنفسهم كذلك، لا سيّما في ضوء علاقات القرابة التي تربط سكّان البلده مع سكّان الجولان السوري، والعديد من العائلات الدرزية في لبنان. وخلال الفترة الماضية، لم يكن سكّان البلدة يعتبرون أنفسهم عرضة للخطر.
من ناحية أخرى، أظهر ما حدث وجهاً آخر لسياسة الإهمال الإسرائيلية، خصوصاً مع عدم انطلاق صفارات الإنذار أو تشغيل المنظومة الاعتراضية للصواريخ، ما يعني أنّ بلدة مجدل شمس ليست على الأرجح مغطّاة بمظلّة الدفاع الجوي التي تحظى بها المستوطنات اليهودية. وهذا من أوجه سياسة التمييز حتّى في مجال السياسة الدفاعية الإسرائيلية عن هضة الجولان المُحتلّ.
تحاول إسرائيل استغلال مأساة مجدل شمس وتوظيفها في حربها ضدّ حزب الله وراعيه الإقليمي إيران، وذلك من خلال تعبئة الرأي العام الإسرائيلي استعداداً لردّ انتقامي مؤلم من حزب الله، مصورةً نفسها مدافعةً عن مواطنيها، الذين لطالما تعاملت معهم مواطنين من الدرجة الثانية، وهي تتلطى وراء ماساة أهالي القتلى من الأطفال الدروز لتغطية جرائمها ضدّ الأطفال الفلسطينيين في دير البلح وخانيونس وغزّة كلّها.
في الصعيد العسكري، تسعى إسرائيل إلى استخدام تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، في الأسبوع الماضي (قال فيها بصراحة إنّ الحزب سيوسّع دائرة استهدافاته التي ستطاول مستوطنات كانت بمنأى حتّى الآن عن ضربات الحزب ردّاً على تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين أخيراً)، من أجل القيام بردّ قاسٍ ومؤلمٍ قد يتجاوز الأهداف العسكرية لحزب الله ليشمل أهدافاً أخرى لم تدخل حتّى الآن في دائرة الاستهدافات الإسرائيلية.
عدم انطلاق صفارات الإنذار في مجدل شمس وجه آخر لسياسة الإهمال
والسؤال الأساسي هنا: ماذا سيكون ردّ إسرائيل على مأساة مجدل شمس؟ وكيف يمكن أن "تنتقم" من حزب الله في لبنان من دون التورّط في حرب شاملة معه، يمكن أن تتحوّل حرباً إقليميةً يشارك فيها حلفاء إيران في العراق وسورية واليمن أو إيران نفسها؟... من يتابع ما يُنشَر في إسرائيل يلاحظ حجم المُعضلة التي تواجهها إسرائيل حالياً، وانقسام الآراء الإسرائيلية في أوساط الرأي العام والمُعلّقين بين من يُؤيّد ردّاً انتقامياً قويّاً، على شاكلة الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في اليمن، وبين من يُحذّر من عاقبة ردٍّ انتقامي إسرائيلي يُؤدّي إلى توسّع المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في التوقيت الحالي غير الملائم لإسرائيل، الغارقة في أوحال القتال في غزّة.
ما حدث في مجدل شمس هو، قبل أيّ شيء آخر، حصيلة سياسة نتنياهو المجرمة الرامية إلى إطالة أمد الحرب، ونتيجة مماطلته وتهرّبة من الموافقة على صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، ورهانه على أن الوقت يعمل لصالحه. لكن أيضاً ما حدث في مجدل شمس يحتاج إلى توضيح أكبر من جانب حزب الله لأهالي مجدل شمس بالدرجة الأولى، وأقربائهم في سورية ولبنان، وللرأي العام اللبناني، ولا سيّما أن لبنان كلّه حالياً في قلب خطر إمكانية الدخول في حرب طاحنة ومدمّرة وشاملة.