نحو رؤية مستقبلية مشتركة للمنطقة
في مقال مهمّ له، بعنوان "معاً لبناء منطقةٍ قويّةٍ ومزدهرة"، نشره موقع وصحيفة العربي الجديد (10/7/2024)، قدّم الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، طروحات مُستقبلية للعلاقات الإقليمية، وتصدير فكرة التعاون والتنمية الاقتصادية، التي تكون فيها إيران طرفاً مُهمّاً، لا سيّما من موقعها الجغرافي الواصل بين الشرق الأوسط والدول الكبرى في آسيا. ما طرحه الرئيس المُنتخَب هو تكملة لفِكَرِ واضع الدستور اللبناني (1926) ميشال شيحا (1954) بشأن أهمّية وجود لبنان عند مفترق الطرق إلى شمال العالم وجنوبه، المُمتدّة من آيسلندا وروسيا إلى أفريقيا الجنوبية والخليج العربي.
يلتقي الاثنان عند رؤية مستقبلية للمنطقة توفّر لأهلها أفقاً جديداً في مسارها التاريخي. لتحقيق هذه الفكرة، لا بُدَّ من مواكبة الرئيس الإيراني أيضاً، في حديثه بشأن يتعلّق بضرورة حلّ القضية الفلسطينية بشكل حاسم، وأسس هذا الحلّ لا تكون إلّا بإعطاء الشعب الفلسطيني في المنفى، وفي فلسطين، حقوقه الكاملة المُكرّسة في القانون الدولي. نلتقي في لبنان أيضاً بهذه الضرورة، التي من دونها لن نتمكّن من لعب دورنا الجامع بين العالمين الغربي والشرقي، طالما كان الاحتلال الإسرائيلي المشكلة المزمنة في المنطقة. مشكلة غُبن فلسطين تبقى غير محلولة بسبب التعجرف الإسرائيلي، ونظام دولة الاحتلال العنصري (الأبارتهايد) بقراءة أضحت ثابتة في كلّيات الحقوق في العالم، كما على لسان أكثر مُنظّمات حقوق الإنسان أهمّية، وتتشاركها مُنظّمتا عدالة وبتسليم في إسرائيل. مثل هذا النظام المنافي للديمقراطية غير قابل للدوام على ما هو عليه، وبما أنتجه من دمار في الشرق الأوسط.
الأمر الأساسي في حديث مسعود بزشكيان، والجديد أيضاً، ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من سلاح الدمار الشامل. في الشرق الأوسط، تتمتّع إسرائيل فقط بالسلاح نووي، وهي ترفض الالتزام بالمعاهدة العالمية لمنع انتشار الأسلحة النووية، كما معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. علينا أن نتصدّى جميعاً لهذا الخلل، لترسو المنطقة في مستقبل مسالم لجميع الدول والمجتمعات. ليست هذه الفكرة طوباويةً، فهنالك منطقتان في العالم نجحتا في إخلاء بلدانهما من كلّ سلاح نووي وكيميائي من طريق معاهدات شاملة، كرّستاها في معاهدتَين تاريخيتَين في أميركا الجنوبية وفي منطقة جنوب شرقي آسيا وأستراليا. هي أيضاً فكرةٌ لا بدّ أن تُقدَّم قبل حلول القرن المُقبل قي سبيل إنهاء وجود سلاح الدمار الشامل في العالم كلّه، وقد كان الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، طرحها في أوائل عهده من دون متابعتها بالجدّية اللازمة.
نلتقي في لبنان عند هذه الأطروحات الثلاث، التي تَقدَّم بها الرئيس الإيراني المنتخب، وكلّها مشاريع مُحقّة وممكنة في طريق إنشاء منطقة جديدة روحها استقرار السلم ورفض العنف سبيلاً للسياسة، تُقدِّم للعالم نمطاً جديداً من اقتصاد مزدهر، ووصلة شرق أوسطية محورية في عالمٍ لا تزال منطقتنا مرتبطةً به بمنطق القوّة العمياء، التي نشأت مع إسرائيل على أشلاء فلسطين عام 1948.
أما الدخول بجدّية في هذه الطريق المُغايرة، فيبدأ في لبنان برئيس للجمهورية قادر على التماهي بواقعية وإبداع مع الطروحات التي يُقدّمها الرئيس الإيراني.