نهاية مُرتضى؟
في مصر شخصيات أشبه بالأساطير، لا ينساها التاريخ، ولا تنتهي من الوجود بغياب أصحابها عن الحياة، خصوصا إذا كانوا سيئي السمعة. بل ربما تزداد تلك الشخصيات صيتاً وجدلاً بعد وفاتها أو اختفائها عن الأضواء.
في العموم، سوء السمعة منتشر في السياسة. أما الرياضة، فالأصل فيها النزاهة وتحرّي العدالة ومراعاة الأخلاقيات. ليس فقط فيمن يمارسونها، بل أيضا فيمن يديرونها وكل ذي صلة بها. لذا ليس من طبيعة الأشياء أن يدير شخص مؤسسة رياضية كبيرة، ويقود ثاني أكبر ناد في مصر، وأحد أكبر أندية أفريقيا والشرق الأوسط، فيما هو يتسم بقدر هائل من سوء الخلق وبذاءة اللسان وشراسة الطبع، فضلاً عن اتهامات تلاحقه بالفساد والخروج عن القانون والقواعد العامة في إدارة النادي والمعاملات الرسمية. ومن تلك الاتهامات، غسيل الأموال والاتجار في العملة الأجنبية على خلفية إبرام عقود اللاعبين والمدرّبين الأجانب.
غير أن أسطورة مرتضى منصور لا ترتبط ببذاءة لسانه وتجاوزاته اللفظية أو حتى القانونية، وإنما تنبع "أسطوريته" بالأساس من الحماية التي يتمتع بها منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بدأت بخروجه من سلك القضاء وامتهان المحاماة والعمل مستشاراً قانونياً لمجموعة شركات الريان، التي كانت أكبر شركات توظيف الأموال في مصر، قبل تصفيتها ومحاكمة صاحبها أحمد الريان ثم سجنه، وآخرين معه، من دون أي مساءلة لمستشاره القانوني.
وقد تكون تلك الخلفية عن تاريخ مرتضى منصور غير معلومة لكثيرين، لكن المصريين جميعاً يعرفون أن العقدين الأخيرين شهدا سلسلة من الدعاوى القضائية والبلاغات الرسمية الموجهة ضده، بالسب والقذف وتوجيه اتهامات بالفساد وتلقي رشى لمسؤولين ورياضيين وحكام وإعلاميين، وفئات أخرى من المجتمع. وصار الشائع أيضاً والمعتاد أن يرفض البرلمان المصري رفع الحصانة عنه، وألا يُسمح للنيابة العامة ولو بسؤاله في تلك البلاغات.
ترسّخت "أسطورة" مرتضى منصور في الذهنية المصرية، بعد أن تكون عبر سنوات شعور عام لدى المصريين أن الرجل يحظى بحماية عالية المستوى، منحته درعاً وحاجزاً يحول دون محاكمته عن أفعاله أو مساءلته في أقواله. ومما زاد من التصور الجمعي أن الرجل "واصل"، أي له صلات قوية بمؤسسات الدولة، خصوصاً الأجهزة الأمنية، خصوصا في ظل الابتزاز الذي دأب منصور على ممارسته ضد خصومه ومنتقديه، عبر تهديدهم بامتلاكه "سيديهات" تتضمّن معلومات تفضحهم أو تسبب لهم حرجاً في المجال العام. ولم يكن لمرتضى أو غيره أن يمتلك تلك المعلومات وتوثيقها صوتاً وصورة، من دون مساعدة مباشرة من أجهزة ذات سطوة ونفوذ.
لا تتسق تلك الهالة "الأسطورية" التي تحيط بمرتضى مع ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية، إذ قررت اللجنة الأولمبية المصرية (السلطة الرياضية العليا في مصر) إيقافه عن أي نشاط رياضي، وحرمانه من تولي أي منصب في أي مؤسسة رياضية أربع سنوات. وعلى الرغم من أن القرار استند إلى بلاغات وشكاوى ضد مرتضى، إلا أن هذا السبب ليس جديداً، فالبلاغات ضده مستمرة منذ سنوات بل عقود، ولم تفكر اللجنة الأولمبية النظر فيها أو اتخاذ أي إجراء تجاه مرتضى.
المعنى المباشر لكل ما سبق أن ثمة تحولاً جذرياً في موقف بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها تجاه "الأسطورة" مرتضى منصور. وكان لافتاً أن الوزارة المعنية بالرياضة في مصر وقفت على الحياد، على الرغم من أن الوزير رياضي سابق في نادي الزمالك. وسواء كان هذا التحول ناجما عن إعادة توزيع الاختصاصات وتبعية الأشخاص الموالين لمؤسسات النظام المصري، أو عن انتهاء دور مرتضى وفترة خدمته ضمن منظومة التابعين لأجهزة الدولة. المؤكد أن تغيراً مهماً لم تتكشف معالمه كاملة بعد قد حدث، وإنْ عاد مرتضى إلى الساحة الرياضية بحكم قضائي أو من دونه، فإن الانقلاب الرسمي عليه يعني رفع مظلة الحماية عنه، وانتهاء "أسطورة" مرتضى منصور.