نووي إيران بين الشاه وخامنئي
منذ زمن الشاه، سعت إيران وراء البرامج النووية، وخلال الحرب الباردة، وفي زمن الرئيس أيزنهاور، تعاونت الولايات المتحدة مع بعض الأنظمة في العالم في المجالات السلمية لاستخدامات الذرّة، بهدف توسيع دائرة حلفائها، وكانت إيران في مقدّمة هذه الدول، لقربها الشديد من المجال الحيوي للاتحاد السوفييتي السابق، وموقعها الهام على الخليج العربي، فكان إحدى ثمرات هذا التعاون مفاعل بوشهر الذي أمّن جانباً مهماً من الاحتياجات الكهربائية لإيران، وكان الشاه يرغب في الاعتماد على المفاعلات النووية لإنتاج الكهرباء، ويخطّط لأن ينتج بلده ما مجموعه 23 ألف ميغاواط بحلول عام 2000، مع بيع كلّ النفط الذي تنتجه إيران إلى الخارج، وقد وصل الإنتاج النفطي الإيراني في عام 1971 إلى أكثر من أربعة ملايين برميل من النفط، ويمثل هذا في ذلك الوقت 10% من إنتاج النفط العالمي! أما حالياً، فتنتج إيران ربع هذه الكمية، وتمثل ما هو أقل من 1% من الإنتاج العالمي، بينما تغرق مدن إيرانية في الظلام لنقص الكهرباء.
ظهرت لدى إيران الشاهنشاهية، بمساعدةٍ وإشرافٍ كامل من الولايات المتحدة، رغبة في تبنّي مزيد من البرامج النووية، فأحدثت هيئة للطاقة الذرية ومنشأة للتخصيب ومحطة لتوليد الوقود النووي، وأثبت الشاه حسن النية بتوقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكنّ ذلك كله تغير بعد سقوط الشاه ومغادرته إيران نهائياً، وجاءت حكومة مختلفة ورثت كلّ المنشآت التي تأسّست بمساعدة ورغبة أميركية.
تحوّل السعي نحو الطاقة النووية في زمن الشاه إلى لهاثٍ محمومٍ أيام الحكومة الدينية ونظام ولاية الفقيه، وأثّر اشتداد الحرب على الجبهة مع العراق في رغبة إيران بالمضيّ عميقاً في البرامج النووية. وشهد عام 1985 تحرّكاً إيرانياً محسوساً، لكنّ عداءها المعلن للغرب جعل إيران تتجه نحو دولٍ كالصين وكوريا الشمالية وباكستان لإنعاش برنامجها النووي، ثم تباطأ التحرّك النووي الإيراني في ظل مطاردة أميركية حثيثة. ورغم ذلك، كان من الواضح أنّ إيران ما زالت تصرّ على طموحها النووي ذي الجانب العسكري، وتحوّل حلمها إلى برنامج نووي حقيقي، من دون أن يُعرف الكثير عن تفصيلاته الداخلية، لصعوبة اختراق الحلقات التي بنتها إيران مع الدول التي ساعدت برنامجها. وقد يكون التخلص من خطر صدّام حسين ووجود أميركا عسكرياً على مقربة من الحدود الإيرانية الغربية، ووجود مماثل من جهة الحدود الأفغانية شرقاً، أموراً أبطأت البرنامج النووي فترة عن عمد، خوفاً من التموضع الأميركي القريب. لكن إيران نجحت، خلال مرحلة طويلة من الصمت والتخفي، في بناء عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي القادرة على إنتاج وقود نووي مخصب بنسب مئوية معقولة تجعلها أكثر قرباً من العتبة النووية العسكرية!
أراد الشاه طاقةً نووية غزيرة تنتج الكهرباء، ولعله لم يصل إلى درجة الطموح العسكري النووي في ظل رقابة أميركية لصيقة، ولشعوره بالأمان تحت حماية الأميركيين وتزوّده بشكل سخي بالسلاح الأميركي الحديث، ما جعله بعيداً عن التفكير في امتلاك النووي، وذلك في ظلّ السيطرة الفعلية لإيران على منطقة الخليج وعلاقاتها الجيدة بإسرائيل. أما نظام إيران الحالي، فيرغب في امتلاك السلاح النووي، ويضعه في أول سلم اهتماماته، ليس بهدف استخدامه بالطبع، فذلك قد يضرّ إيران في المقام الأول، لكن ما يريده خامنئي والنظام الإيراني هو العودة إلى السيطرة والاعتراف مجدّداً بإيران على أنها قوة إقليمية ذات وزن كبير، وترغب في امتلاك نصف قطرِ تأثيرٍ بعيد المدى. أما ما يريده الغرب، فهو إيران بلا سلاح نووي، وبأظفار مقلمة، ويمكن أن يحصل قريباً معها على اتفاق نووي مشابه لاتفاق عام 2015، ما سيخفّف عن إيران عقوبات محدودة، ويجبرها على الامتناع عن استخدام كلّ ما لديها، وإلّا فسيستمرّ نشاطها النووي ذو الطموحات العسكرية.