08 نوفمبر 2024
هل أذِنَ ترامب لمعركة إدلب؟
لم يحتَجْ الجيش السوري إلى إذنٍ من الولايات المتحدة قبل البدء بالمعارك التي خاضها، على مر السنوات السابقة، من أجل إعادة فرض سيطرته على المدن التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، أو حتى تنظيم داعش الإرهابي. لكن، هذه المرّة، مع معركة إدلب، المحتملة، ومع معركة درعا التي سبقتها، قبل أشهر، أطلَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليُدلي بما يشبه الإذن لهذا الجيش من أجل البدء بعملياته العسكرية. كما تَبِعَ إطلالتَه صدور كلامٍ من مسؤولين أميركيين آخرين تندرج ضمن السياق ذاته. وكان اللافت، هذه الأيام، كلام ترامب عن أن الهجوم على إدلب يجب ألا يكون متهوّراً، ما يشبه التسليم بالهجوم المتوقع.
وكان ترامب قد قال، في تصريحه الذي حملته تغريدته على موقع تويتر، في 4 سبتمبر/ أيلول الجاري: "لا يجب على الرئيس السوري بشّار الأسد مهاجمة محافظة إدلب بتهور"، بمعنى ألا يستخدم في الهجوم الأسلحة المحرّمة دولياً، ما قد يُحرج الإدارة الأميركية. وهي مفارقةٌ، حيث إنه لم يصرِّح بما يدلّ على رفضه الهجوم، كما اعتاد أن يفعل. ولم يدلِ ترامب بهذا التصريح حين كان الجيش السوري يُعزِّز قواته على حدود المحافظة. وهي حشودٌ، يرى غير المختص، في ضخامتها وعديدها ملامح معركةٍ كبيرةٍ على وشك الوقوع، لكنه انتظر حتى بات الاستعداد تامّاً للبدء بالهجوم، فأطلق تصريحه ذاك، ربما ليوقف الشكوك لدى طرفي المعارضة والنظام، بشأن موقف إدارته منه، إذ يشكل غياب موقفٍ كهذا إرباكا لكليهما.
ولكن، ما الذي طرأ حتى يُطلق ترامب تصريحاتٍ على هذه الشاكلة؟ بل لماذا أتبعه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية بالتوصية بتنفيذ عملياتٍ محدّدة، وعلى نطاق ضيقٍ ضد المتشدّدين
في إدلب، لأن عملية عسكرية كبيرة ستؤدي إلى كارثة إنسانية، حسب قوله؟ إلا أن الاستغراب يزداد مع التصريح الأكثر إثارة، على لسان مندوبة واشنطن في مجلس الأمن، نيكي هيلي، في مؤتمر صحافي عقدته في الأمم المتحدة في اليوم نفسه. إذ بعد التوطئة بالكلام عن الإرهاب في سورية، قالت إن بإمكان قوات النظام المضي للسيطرة على كامل الأراضي السورية، شريطة عدم استخدامها السلاح الكيماوي.
وتعيد هذه التصريحات إلى الذاكرة تصريحات الإدارة الأميركية، وترامب نفسه، بشأن معركة درعا والجنوب السوري، وطريقة تعاطيهم معها التي لا تشبه طريقة تعاطيه مع معركة إدلب المحتملة. فبالنسبة إلى معركة درعا، بدايةً، حذَّرت الخارجية الأميركية في بيان لها، في 14 يونيو/ حزيران الماضي، النظام من القيام بعملية عسكرية تخرق الاتفاق الثلاثي الروسي الأميركي الأردني، الخاص بوقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية، وتوعَّدت بعواقب وخيمة. لكن، فيما بعد، امتنعت الخارجية عن إضافة أي معلوماتٍ إلى بيانها ذاك، أو أي تفصيلٍ بشأن نوعية الرد. ثم بعد أيام، أعرب ترامب عن قلقه حيال العمليات في المنطقة، محذِّراً من الدور الإيراني في سورية. وتزامنت تلك التحذيرات مع حشود الجيش السوري، وتتالت حين كان هذا الجيش يُحكم سيطرته على المنطقة، ويُجري المصالحات المعتادة.
يرى كثيرون أن هذا النوع من التصريحات والتحذيرات ليس سوى تخلٍّ رسميٍّ عن المعارضة السورية المسلحة، وعن المعارضة السياسية معاً، وهو ما كان أعضاء بارزون في هذه المعارضة يستنتجونه، ويلفتون النظر إليه، بعد كل معركةٍ يربحها الجيش السوري. وتأتي تلك التصريحات المتضاربة بعدما ثبت إيقاف واشنطن دعمها العسكري لعدد من الفصائل السورية، بداية هذا السنة، خصوصاً في الجنوب السوري. وربما يكون كلام نيكي هيلي عن الإرهاب في سورية تعبيراً عن عدم قدرة واشنطن على تطويع فصائل سورية معارضة والتحكّم بها، كذلك بسبب حاجة حليفتها، إسرائيل، إلى نظامٍ قويٍّ ينهي حالة الفلتان في البلاد، ويبعد إيران عن المنطقة.
ترافقت حشود الجيش السوري على تخوم إدلب بمساعٍ روسيةٍ من أجل عقد "مصالحاتٍ" تُجَنِّب المدينة معركة كبيرة لا يعرف أحدٌ عواقبها أو ارتداداتها، خصوصاً مع تمركز فصائل سورية كثيرة قصدت إدلب وتمركزت فيها، بعد مصالحاتٍ جرت في مدن سوريةٍ كثيرة، حتى باتت
هذه المدينة المعقل الأكثر كثافة بالمقاتلين والنازحين في سورية. كما إنها تعدّ المعقل الأخير للمعارضة السورية، والتي قال عنها قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، إنها ستكون منطلقاً لـ "تحرير كامل سورية"، من دون معرفة القدرة الفعلية على تنفيذ أجندةٍ من هذا النوع. وإدلب التي إن تلقت ضرباتٍ من الجيش السوري فستكون الكثافة السكانية فيها سبباً في سقوط آلاف الضحايا، بل كان ترامب أكثر تشاؤما، حين تحدّث، في تغريدته تلك، عن عشرات الآلاف، فما بالك بهجوم واسع النطاق؟
طبعاً، ليست مسألة سقوط الضحايا في الحروب والمعارك، وخصوصاً معركة إدلب المحتملة، من أولويات ترامب، أو حتى مما يقلقه، ويبعد النوم عن عينيه. كما لا تقلقه عودة النظام السوري إلى فرض سيطرته على كامل أراضي البلاد. ما يقلقه هو تجذّر إيران في سورية التي تساعدها المعارك على تعزيز هذا التجذّر وتكريسه، وتشكيل وجودها في سورية تهديداً للكيان الإسرائيلي. لذلك من المحتمل أن تكون تغريدتُه بمثابة غضّ النظر عن معركة إدلب، إن لم تنجح القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في تجنيب المدينة إيّاها، وإدخالها في عملية المصالحات التي سبقتها إليها مدن ومناطق سورية أخرى.
وكان ترامب قد قال، في تصريحه الذي حملته تغريدته على موقع تويتر، في 4 سبتمبر/ أيلول الجاري: "لا يجب على الرئيس السوري بشّار الأسد مهاجمة محافظة إدلب بتهور"، بمعنى ألا يستخدم في الهجوم الأسلحة المحرّمة دولياً، ما قد يُحرج الإدارة الأميركية. وهي مفارقةٌ، حيث إنه لم يصرِّح بما يدلّ على رفضه الهجوم، كما اعتاد أن يفعل. ولم يدلِ ترامب بهذا التصريح حين كان الجيش السوري يُعزِّز قواته على حدود المحافظة. وهي حشودٌ، يرى غير المختص، في ضخامتها وعديدها ملامح معركةٍ كبيرةٍ على وشك الوقوع، لكنه انتظر حتى بات الاستعداد تامّاً للبدء بالهجوم، فأطلق تصريحه ذاك، ربما ليوقف الشكوك لدى طرفي المعارضة والنظام، بشأن موقف إدارته منه، إذ يشكل غياب موقفٍ كهذا إرباكا لكليهما.
ولكن، ما الذي طرأ حتى يُطلق ترامب تصريحاتٍ على هذه الشاكلة؟ بل لماذا أتبعه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية بالتوصية بتنفيذ عملياتٍ محدّدة، وعلى نطاق ضيقٍ ضد المتشدّدين
وتعيد هذه التصريحات إلى الذاكرة تصريحات الإدارة الأميركية، وترامب نفسه، بشأن معركة درعا والجنوب السوري، وطريقة تعاطيهم معها التي لا تشبه طريقة تعاطيه مع معركة إدلب المحتملة. فبالنسبة إلى معركة درعا، بدايةً، حذَّرت الخارجية الأميركية في بيان لها، في 14 يونيو/ حزيران الماضي، النظام من القيام بعملية عسكرية تخرق الاتفاق الثلاثي الروسي الأميركي الأردني، الخاص بوقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية، وتوعَّدت بعواقب وخيمة. لكن، فيما بعد، امتنعت الخارجية عن إضافة أي معلوماتٍ إلى بيانها ذاك، أو أي تفصيلٍ بشأن نوعية الرد. ثم بعد أيام، أعرب ترامب عن قلقه حيال العمليات في المنطقة، محذِّراً من الدور الإيراني في سورية. وتزامنت تلك التحذيرات مع حشود الجيش السوري، وتتالت حين كان هذا الجيش يُحكم سيطرته على المنطقة، ويُجري المصالحات المعتادة.
يرى كثيرون أن هذا النوع من التصريحات والتحذيرات ليس سوى تخلٍّ رسميٍّ عن المعارضة السورية المسلحة، وعن المعارضة السياسية معاً، وهو ما كان أعضاء بارزون في هذه المعارضة يستنتجونه، ويلفتون النظر إليه، بعد كل معركةٍ يربحها الجيش السوري. وتأتي تلك التصريحات المتضاربة بعدما ثبت إيقاف واشنطن دعمها العسكري لعدد من الفصائل السورية، بداية هذا السنة، خصوصاً في الجنوب السوري. وربما يكون كلام نيكي هيلي عن الإرهاب في سورية تعبيراً عن عدم قدرة واشنطن على تطويع فصائل سورية معارضة والتحكّم بها، كذلك بسبب حاجة حليفتها، إسرائيل، إلى نظامٍ قويٍّ ينهي حالة الفلتان في البلاد، ويبعد إيران عن المنطقة.
ترافقت حشود الجيش السوري على تخوم إدلب بمساعٍ روسيةٍ من أجل عقد "مصالحاتٍ" تُجَنِّب المدينة معركة كبيرة لا يعرف أحدٌ عواقبها أو ارتداداتها، خصوصاً مع تمركز فصائل سورية كثيرة قصدت إدلب وتمركزت فيها، بعد مصالحاتٍ جرت في مدن سوريةٍ كثيرة، حتى باتت
طبعاً، ليست مسألة سقوط الضحايا في الحروب والمعارك، وخصوصاً معركة إدلب المحتملة، من أولويات ترامب، أو حتى مما يقلقه، ويبعد النوم عن عينيه. كما لا تقلقه عودة النظام السوري إلى فرض سيطرته على كامل أراضي البلاد. ما يقلقه هو تجذّر إيران في سورية التي تساعدها المعارك على تعزيز هذا التجذّر وتكريسه، وتشكيل وجودها في سورية تهديداً للكيان الإسرائيلي. لذلك من المحتمل أن تكون تغريدتُه بمثابة غضّ النظر عن معركة إدلب، إن لم تنجح القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في تجنيب المدينة إيّاها، وإدخالها في عملية المصالحات التي سبقتها إليها مدن ومناطق سورية أخرى.