هل أيقظت جريمة قصف مستشفى المعمداني الأمّة؟
يوم ارتكب الصهاينة جريمة حرق المسجد الأقصى في 21 أغسطس/ آب 1969، قالت رئيسة الوزراء الإسرائيلية يومها، غولدا مائير، في كلمة شهيرة ما زالت تتردّد: "لم أنم ليلتها وأنا أتخيّل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجًا من كل حدب وصوب... وعندما طلع الصباح ولم يحدُث شيء، أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء فهذه أمّة نائمة".
ما زالت إسرائيل تمارس الإرهاب الفكري والنفسي والجسدي بحقّ الشعب الفلسطيني والعربي بشكل عام، على وقع موجة من التطبيع العربي. هذا التطبيع الذي كان من المفترض أن يُستأنف لولا عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام من حركة حماس على مناطق غلاف غزّة، لتعلن بعدها السعودية عن تعليق مفاعيل التطبيع بسبب العنف والإجرام غير المبرّرَيْن بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة من حكومة نتنياهو.
وكان المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزّة أشرف القدرة قد أفاد صباح الأربعاء، 18 أكتوبر/ تشرين الأول، أن غارة جوية نفّذتها إسرائيل مساء الثلاثاء على مستشفى المعمداني في القطاع، أدّت إلى سقوط مئات من المدنيين بين شهيد وجريح؛ الأمر الذي أحدث زلزالًا شعبيًا طاف أغلبية الدول العربية والعالمية، مندّدًا بالعدوان ومتوعدًا إسرائيل بمحاسبتها على جريمتها هذه، وعلى كل الجرائم التي ارتكبتها منذ بدء عملية "السيوف الحديدية" على القطاع والضفة، والتي أودت إلى حينه بحوالي 3200 شهيد وأكثر من 14 ألف جريح.
لم تكتف إسرائيل بأعمال القتل والتدمير والإبادة، بل إنها تنفّذ بحقّ الغزّيين حركة تهجير لأكثر من مليون فلسطيني إلى خارج جنوب القطاع، إلى صحراء سيناء. وسط دعوة إسرائيل أهالي غزّة لإخلاء منازلهم، ارتفع منسوب الحديث عن عملية "ترانسفير" جديدة لهذا الشعب الذي يعاني الأمرّين منذ الترانسفير الأول عام 1948.
هل ستشهد الدول العربية عودة سيناريو قطع الغاز والنفط عن الدول الغربية، ولا سيما أن الغرب اليوم في أمسّ الحاجة إلى النفط العربي والغاز الطبيعي؟!
لم تخطئ غولدا مائير في حساباتها عندما قالت إن العرب أمة نائمة، وليست ميتة، لأنّ هذه الأمة أيقظتها اليوم المشاهد المأساوية لأهالي غزّة نتيجة الإجرام المتعمّد عند الإسرائيلي. هو الذي لم يكتف بعدوانه بالجريمة التي ارتكبها جيشه على مستشفى المعمداني، بل استمرّ في قصفه وتهديده وبدعوة الأهالي إلى المغادرة إلى جنوب القطاع، وكأنه يراهن على نوم الأمة نتيجة انقساماتها بعد موجة الربيع العربي والثورات والأحداث التي رافقت الشارع العربي، وذلك منذ سقوط صدام حسين عام 2003.
ليست الشعوب العربية فقط من عليها الاستيقاظ اليوم، والتي بدأت تعدّ العدّة لموجات من الاحتجاجات أمام سفارات دول القرار، لحثّ دولها للدفع بإسرائيل لوقف العدوان ومحاسبة مرتكبي الجرائم، فالتحرّكات الشعبية رغم أهميتها، يجب أن تترافق مع ضغط من الحكومات العربية، وعلى ما يبدو بدأت بوادرها بالظهور من خلال إلغاء العاهل الأردني عبد الله الثاني القمّة الرباعية لمصر والأردن والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، التي كان مزمعا إجراؤها أمس الأربعاء، بسبب عدم جدواها. إذ اعتبر الملك أن لا شيء يمكن الحديث فيه أمام جريمة مستشفى المعمداني إلا مطالبة إسرائيل بالتوقّف عن جرائمها.
المطلوب من هذه الأمة التي لم تعد نائمة أن تمارس أقصى أنواع الضغوط على سفارات الدول الغربية
قد يدفع استنهاض الشارع العربي أمام هول الجريمة حكومات الدول العربية النفطية إلى إعادة سيناريو "قطع النفط والغاز" عن الدول الغربية كما كان الأمر في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث استخدم العرب أول مرّة سلاح النفط لديهم في وجه الغرب، ما جعل الدول الغربية تمارس أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف هجومها على سورية. هل ستشهد الدول العربية عودة هذا السيناريو، ولا سيما أن الغرب اليوم في أمسّ الحاجة إلى النفط العربي والغاز الطبيعي، وإلى مصادر تنويع جديدة للتعويض عن النفط والغاز الروسي نتيجة العقوبات التي فرضها على روسيا، بسبب هجومها على أوكرانيا؟
ليست الأمة العربية، بالطبع، نائمة، ولا تستطيع أن تكون كذلك في ظلّ الطوفان الشعبي العربي والإسلامي الذي يجوب ساحات الدول العربية والدولية، مطالبًا بوقف العدوان على غزّة. ولا عودة إلى الوراء، ولا تسامح مع القاتل الذي يبيد شعبًا بأكمله بدافع الحقد والجنون، مدعومًا من دول غربية بدأت تُفلس من حججها التي تبرّر وقوفها إلى جانب إسرائيل. لهذا، المطلوب من هذه الأمة التي لم تعد نائمة أن تمارس أقصى أنواع الضغوط على سفارات الدول الغربية، بالتزامن مع تضامن عربي على مستوى القادة لاستخدام ورقة النفط والغاز، ورفعها بوجه أميركا والدول الغربية، لكي يدفعوا إسرائيل إلى وقف عدوانها على الشعب والعودة إلى المبادرة العربية التي خرجت من قمّة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002.