هل تغادر أميركا الشرق الأوسط؟

05 سبتمبر 2021
+ الخط -

تخرج القوات الأميركية من أفغانستان بشكل كامل. ولتخفيف الأثر النفسي للانسحاب، تم تقريب موعده النهائي من 11 سبتمبر/ أيلول، التاريخ المكرّس في المزاج الأميركي، إلى نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي.

يظهر بعد الجلاء "السريع" أن أميركا لم تنجز ما أرادته من عملية الغزو، حين ظنّ جورج بوش الابن أنه، ومن خلال حشد قوات المارينز في بلدين من الشرق الأوسط، سيكون قادرا على إعادة صياغة المنطقة على أساس أيديولوجي وسياسي واجتماعي جديد. ويبدو أنه لم يقرأ جيدا درس التدخل السوفييتي في أفغانستان الذي أفرز راديكالية إسلامية متشدّدة، عجز العالم عن لجمها أو التعديل من مزاجها المتطرّف، وصولا إلى لحظة "11 سبتمبر" عام 2001... عشرون عاما من دخول أفغانستان لم تكن كافية، ولعلها، كما يدرك جو بايدن، لم تكن ضرورية. وما زال جورج بوش حيا ليشهد خروج القوات المتعجل من دون أن تنجز مهمتها، والاتفاق الذي تم مع حركة طالبان غير كاف للتغطية على عمل كبير من هذا النوع، فتركت فجوة سياسية واسعة لا يمكن التنبؤ بمدى تطورها واتجاهه مستقبلا.

قبل بدايته، بدا أن الهجوم الأميركي على أفغانستان، ومن ثم على العراق، رد فعل متسرّع، تكاليفه أكبر من مردوده السياسي. وهذا ما صار مؤكّدا عمليا، بعد سنوات تحول فيها الوجود الأميركي في البلدين إلى عمليةٍ ذات تكلفة باهظة، تلفت أنظار أعضاء الكونغرس الذين يتصيّدون المواقف التمويلية للأحزاب المنافسة. وقد تناوب على البيت الأبيض ديمقراطيون وجمهوريون، بينما القوات الأميركية مرابضة في الخارج، تنتظر مزيدا من التمويل. كان العالم، خلال تلك السنوات، يشاهد استمرار "طالبان" جماعات لديها حد أدنى من التنظيم لشن الهجمات، وموجودة في الثقافة الأفغانية القبلية، مع تغاضٍ لا بأس به عنها في المدن القريبة من التحضّر، وفشل استخدام القوة العسكرية والاقتصار على تدريب الشرطة والجيش وتكديس الأسلحة، في تغيير المعادلة، فشاهدنا أميركا أخيرا تغادر، وتكتفي باتفاقٍ قد لا تجد "طالبان" صعوبة في تجاوزه، مخلفةً آلاف المخذولين وخائبي الرجاء الذين عليهم المواجهة.

من جهة أخرى، قد يجد الرئيس بايدن، الملتفت إلى الوضع الداخلي، مع اهتمامات خارجية تكاد تقتصر على بضع شؤون بيئية عالمية، مع نظرة نحو الصين، على الرغم من ذلك، أن من الصعب مغادرة الشرق الأوسط بشكل كامل كما يحلم، ففي هذه المنطقة ثروة نفطية، ما زال العالم كله متعطشا لها. وعلى الرغم من انخفاض الاعتماد الأميركي عليها، إلا أن تقلبات التجارة الدولية ما زالت مرتبطةً بحالة المنطقة السياسية، وعلى أميركا متابعة الوجود المادي والعسكري في المنطقة، لوضع يدها ضمن الأيادي الممدودة للتحكّم بهذه الرقعة، بالإضافة إلى وجود إيران، وهي صداع مزمن، ترغب أميركا على الأقل بكبحه. والواقع لم تكن اتفاقية أوباما مع إيران كافية، وعلى الرئيس الحالي إنجاز اتفاق معدّل، تكون الصواريخ بعيدة المدى جزءا منه، وقد يساعد الوجود الأميركي في العراق وسورية على إنجاز اتفاقٍ يقبله متشدّدو الكونغرس الأميركي وإسرائيل. لذلك، يبدو خروجها القريب مستبعدا، ولا يمكن التفكير فيه بشكل جدّي، إلا بعد التوقيع على اتفاق جديد ووضعه موضع التنفيذ. أما خروج أميركا من أفغانستان فلا يزيل المنطقة من قائمة الاهتمام الأميركي، ولكنه يعيد جدولتها فقط، فالقوات الأميركية ما زالت موجودة بحجم معقول على تخوم المنطقة. وما زالت أفغانستان ضمن المدى المجدي لأسلحتها، والأهم أنها ما زالت ضمن المدى المجدي لسياستها، فلدى أميركا صلات قوية مع دول قريبة، وذات علاقات وثيقة مع "طالبان"، يمكن أن تلعب دورا في التقليل من راديكاليتها. وهذا يوفر على خزينة أميركا ويعيد مقاتليها، وهي القضية التي طالما شكلت عبئا سياسيا، ها هو بايدن يزيحه عن كاهله، ويقدّم صورة أفضل لناخبيه.