هل جامعة الدول العربية جامعة فعلاً؟
منذ تأسيسها عام 1945، وجامعة الدول العربية موضوع للمناقشة والجدل ولاجتهادات ومقترحات كثيرة تراوحت بين إنهاء وجودها والتعجيل بحلّها على مبدأ "إكرام الميت الإسراع في دفنه"، وبين تعزيز قدرتها وفعاليتها لتؤدّي دورها المأمول باعتبارها المنظمة العربية الأم التي تجمع العرب في صيغة تنظيمية واحدة. ومع اقتراب موعد القمّة العربية في الجزائر، المزمع عقدها في 1-2 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحت مسمّى "قمة لمّ الشمل العربي"، تجدّد موضوع جدوى جامعة الدول العربية والقمم العربية في النقاش والجدال في ظل الظروف العربية السيئة والمخجلة للعرب جميعاً. وهنا يسأل هذا المقال: هل جامعة الدول العربية جامعة فعلاً؟
تساؤلٌ كبير يحمل إجاباتٍ عديدة قد يتناقض بعضها ويتكامل بعضها الآخر، ولكنها جميعها قد تصبّ في الاتجاه القائل إن جامعة الدول العربية لم تستطع أن تكون جامعة للعرب، فمنذ تأسيسها، فكرة العمل العربي المشترك مطروحة. ومع مرور 77 عاماً على تأسيس الجامعة، فشلت جميع الجهود العربية في جميع القمم العربية باتخاذ خطوات عملية نحو تحقيق العمل العربي المشترك في إطار الجامعة، لتبقى هذه الفكرة مجرّد حبرٍ على الورق، سمعنا عنها الكثير في المؤتمرات والندوات والحوارات والنقاشات.
الرهانات على أنّ القمة العربية المقبلة في الجزائر ستدخل ساحات الصراع الكبير في فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن خاسرة
صحيح أن قمما عربية ما تزال في الذاكرة العربية لإعلانها موقفاً جماعياً، مثل قمة الخرطوم عام 1967، والتي جاءت بـ لاءاتها الثلاث "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف"، إلا أن أغلب القمم كانت تشهد مواجهاتٍ لفظية كادت تتجاوز ذلك، كقمم القاهرة 1990، وبيروت 2002، وشرم الشيخ 2003، وغيرها، لم تخلُ من مشادّات ومواجهات كلامية. لذلك لا نستطيع أن نتحدّث اليوم عن جامع واحد للدول العربية تحت قبة جامعة الدول العربية، إلا النفور من مبدأ الحوار والإصلاح، والدخول بدل ذلك في دوّاماتٍ من التنافس غير المفهومة وغير محسوبة العواقب، ولعل تأمُّل ما يجري هنا وهناك في المشرق والمغرب العربيين يُظهر حقيقة عجز جامعة الدول العربية عن أن تجمع العرب على أمرٍ سواء.
ففي قراءة سريعة للوضع العربي الراهن، نجد أن الأمة العربية تعيش في أسوأ حالاتها، ففلسطين تحت الاحتلال منذ 1948، والسودان أصبح سودانين، والعراق وسورية واليمن ولبنان تحت وصاية واحتلال إيرانيين بصور وأشكال شتى، والأزمات تعصف بشتى الدول العربية، بدءاً بأزمة لبنان التي حوّلته إلى دولة شبه فاشلة، والأزمة العراقية التي اقتربت من حافّة الهاوية، والأزمة المغربية – الجزائرية التي تكبّد البلدين خسائر سنوية بعشرات المليارات من الدولارات بسبب القطيعة، والأزمات السودانية والتونسية واليمنية والسورية التي لم يكن دور جامعة الدول العربية فيها يختلف بالقدر الكبير عن الأدوار السابقة للجامعة في مختلف القضايا العربية المتأزّمة، والتي كانت في مجملها أدوارا سلبية ضعيفة لا تستطيع أن تلبّي رغبات الشعوب العربية، ولا ترتقي إلى مستوى إيقاف نزاعٍ دائرٍ أو صراعٍ قائم أو حتى خلافات بينية.
جامعة الدول العربية مؤسّسة انتهى دورها السياسي، وتحوّلت إلى مجرّد منتدى دبلوماسي يتجنّب الحقائق الحرجة والاستحقاقات الواجبة
في المحصلة، الرهانات على أنّ القمة العربية المقبلة في الجزائر ستدخل ساحات الصراع الكبير في فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن خاسرة، فجامعة الدول العربية بعد 77 عاماً على تأسيسها تبدو أكثر عجزاً من أي وقت مضى، وفشلها اليوم يُضاف إلى سلسلة الفشل الذي رافق تاريخها، فهي لم تستطع أن تكون جامعةً لأنها لم تستطع أن تحقّق الحد الأدنى من الاتفاق بين أعضائها يوماً في أية قضية، حتى وإن كانت قضية ثانوية، لأن التأثير الجيو سياسي الذي يوجّه بوصلتها خارج نطاق الإرادة العربية، فالعرب ليسوا متّحدين أصلا، حتى تكون الجامعة رمزاً للوحدة، ولم تضف للأمة شيئاً يُذكر، فالتناقضات التي تعاني منها الدول العربية تلقي بثقلها على الجامعة، إلى جانب الجمود والتنافس والاختلاف وإصرار بعض الدول العربية على القيام بأدوارٍ ترتبط أساساً بمصالح قوى أخرى ليست عربية، على حساب القضايا العربية ومهمات العمل العربي المشترك الفاعل.
باختصار شديد، جامعة الدول العربية مؤسّسة انتهى دورها السياسي، وتحوّلت إلى مجرّد منتدى دبلوماسي يتجنّب الحقائق الحرجة والاستحقاقات الواجبة. وهذه حقيقة أوجدها أنور السادات بعد خرقه قرارات جامعة الدول العربية عام 1978، وعقده اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وثبتها تمرّد بعض العرب على قرارات الجامعة بعد التطبيع مع إسرائيل وكسر قرارات المقاطعة العربية وإبرام اتفاقات اقتصادية ودفاعية وأمنية. وبالتالي، أصبح الحديث عن نظام عربي في إطار جامعة الدول العربية في وقتنا الراهن، فاعل على المستويين الإقليمي والدولي، وقادر على تحقيق المكاسب والإنجازات، حديثا مجازيا وافتراضيا لا يرتقي إلى مستوى هذا المسمّى.