هل ضربت إسرائيل الحوثيين؟
بعد مرور حوالى شهر من الانفجارات الغامضة في منطقة عسكرية، جنوب شرقي مدينة صنعاء، التي تخضع للحوثيين المدعومين من إيران، ربطت وسائل إعلامية إسرائيلية بين هذه الانفجارات وما كشف عنه رئيس الأركان في جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، أن دولة ثالثة تعرّضت لهجوم إسرائيلي مصاحب للعملية التي نفذها جيشه في قطاع غزة، أوائل أغسطس/ آب الجاري، حيث فُسِّر أن اليمن هي هذه الدولة.
وكانت أوساطٌ إسرائيلية قد زعمت، عقب شيوع خبر انفجارات صنعاء (8 الشهر الماضي، أغسطس/ آب) أن هذه الانفجارات ناجمة عن أخطاء تقنية ارتُكبت في أثناء إعداد (وشحن) صواريخ باليستية، كانت في طريقها إلى حركة الجهاد الإسلامي في غزّة، عبر مسالك تهريب غير معلومة، وأنَّ ما يُسمَّى معسكر الحَفَاء الذي وقعت فيه الانفجارات يضم دائرةً فنيةً تُعنى بتطوير القدرات العسكرية الدقيقة، وتضطلع بإدارتها الوحدة 034، في فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني.
ما يثير الشكوك بشأن هذه الانفجارات، أن الحوثيين لم يقدِّموا أيَّ إجاباتٍ رسمية عن الأسئلة المثارة، شعبيّاً، بشأنها، وفي ما يخص تلك التي وقعت، قبل حوالى أسبوع منها، في قاعدة الدَّيلمي الجوية، شمال شرقيّ صنعاء. لذلك ذهب مؤيِّدو الحوثيين إلى القول إنها ناجمة عن إتلاف كمِّيات من الألغام المضادة للأفراد، التي جُمِعت من مناطق كانت تابعة للحكومة، بعد السيطرة عليها. أما مناوئو الحوثيين فرجَّحوا أنها ناتجة من محاولاتٍ، غير موفقة، لنقل، وهناك من قال لإطلاق، صواريخ باليستية، في سياق الفرص المتاحة في الهدنة السارية منذ 2 إبريل/ نيسان الماضي، بين الحوثيين من جهة، والحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات من جهة أخرى.
خيار العنف عند الحوثيين يحتل الصدارة، وذلك ما تكشف عنه مناشطهم العسكرية التصعيدية، ما دون القتالية، وتعنّتهم إزاء معظم أحكام هذه الهدنة
تفسيرات مؤيدي الحوثيين غير مقبولة منطقيّاً؛ ذلك أنَّ الانفجارات وقعت في منطقة حسَّاسة أمنيّاً، ولا تحتمل القيام بإعطاب العبوات غير المنفجرة من بقايا الحرب أو نحوها، فضلاً عن أنه لم يُعهد، منذ خمسة عقود، أنْ اتُّخذ من هذه المنطقة مسرحاً لإتلاف أيٍّ من الأسلحة غير المرغوب فيها، أو حتى القيام بتدريبات الرماية، ثم إنَّ الحوثيين، أنفسهم، في أشدّ الحاجة لهذه الألغام، لإعادة استخدامها في مواجهة أعدائهم، ضمن استراتيجيتهم الدفاعية القائمة على حشد كل الوسائل المتاحة لتعزيز قدرات الدفاع.
أما تفسيرات مناوئي الحوثيين، فتتسق، إلى حدٍّ ما، مع الهدنة الهشّة القائمة؛ حيث تَصاعدَ نشاط الحوثيين في مجالات تعزيز جبهاتهم بالأسلحة، وإعادة تموضع القوى والوسائل، وفقاً لأسوأ الظروف التي قد تنجم عن سقوط الهدنة القائمة، ولا سيَّما أن خيار العنف عند الحوثيين يحتل الصدارة، وذلك ما تكشف عنه مناشطهم العسكرية التصعيدية، ما دون القتالية، وتعنّتهم إزاء معظم أحكام هذه الهدنة.
لا تزال الرواية الإسرائيلية محل شكوك محللين عديدين، رغم أن هنالك من عَدَّ العملية أنها الأطول مسافةً لجيش الاحتلال خارج فلسطين المحتلة. وإزاء هذين الاتجاهين، علينا أن ننظر إلى مقدار المسافة بين صنعاء وقاعدة إيلات في خليج العقبة، المحتمل أن تكون الطائرات قد انطلقت منها، ثم مقارنة ذلك بعملية بابل (أو أوبرا) التي استُهدفت بها مواقع المفاعل النووي العراقي، قيد الإنشاء، عام 1981؛ وسنجد أن المسافة بين إيلات وصنعاء ضعف المسافة بين إيلات وبغداد التي كان هذا المفاعل إلى الجنوب الشرقي منها.
يزعم القادة العسكريون في جماعة الحوثي أن في وسع صواريخهم الباليستية والطائرات غير المأهولة ضرب أهدافٍ حيويةٍ داخل العمق الإسرائيلي
على افتراض أن الهجوم الإسرائيلي وقع حقيقةً، فإن أقرب تصوُّر لذلك، أن الطائرات المهاجمة انطلقت من القاعدة الإسرائيلية في جزيرة دهلك الإريترية، فالمسافة بينها وبين صنعاء نحو 1100 كيلومتر، وهي قاعدة دفاع وهجوم وقائية متقدّمة، في الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي لإسرائيل، فضلاً عن أنها تمثل مرتكز قوة في ما تعرف بحرب الظل البحرية التي استَهدَفت بها إسرائيل أهدافاً بحرية إيرانية مرتبطة بالحوثيين، مثل سفينة التجسّس "سافيز"، التي تعرّضت لهجوم ناري قبالة جزيرة هلك، في إبريل/ نيسان 2120.
ومما يعزّز هذه الفرضية، لغة التهديد المتصاعدة تجاه إسرائيل، من الحوثيين، ووضوح ارتباط إيران بما وصلوا إليه من قوة، في فترة وجيزة، تمثل تهديداً لأمنها، ولا أدلَّ على ذلك مما صدر من تهديدات عن زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، والقادة العسكريين في جماعته، الذين يلوِّحون، دائماً، بقدراتهم الصاعدة في مجالي الصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة، التي يزعمون أن في وسعها ضرب أهدافٍ حيويةٍ داخل العمق الإسرائيلي، إذا ما تطلبت الظروف ذلك.
وما من شك في أن إسرائيل التي تواجه أذرع إيران في محيطها الأمني لن تُغفل الحوثيين، بوصفهم الذراع التهديدية الأخطر، حاليّاً، على مصالحها، في البحر الأحمر، ومصالح حلفائها الإقليميين الجدد، ومن ذلك الإمارات التي عرض عليها الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، الدعم الأمني والاستخباري لمواجهة هجمات الحوثيين بالصواريخ الباليستية والطائرات غير المأهولة، وذلك في زيارته أبوظبي، نهاية يناير/ كانون الثاني 2202، في أثناء تعرّض الإمارات لهجمات من هذا القبيل، خلال تلك الزيارة، وقبلها ببضعة أيام.