هل نفدت أوراقُ إيران؟

19 ديسمبر 2024
+ الخط -

قد يكون من المبالغة القول إن سقوط النظام الإيراني بات مسألة وقت، بعد الانتكاسة التي مني بها حزب الله أمام دولة الاحتلال، وسقوط نظام بشّار الأسد في أقل من أسبوع، ناهيك عن الصعوبات التي تواجهها المقاومة الفلسطينية في غزّة أمام التغيّر الدراماتيكي في موازين القوى بشكلٍ لم يكن متوقعا. بيد أن المؤكّد أن طهران تواجه مأزقاً بنيوياً قد ترتدُّ تداعياته، في أي لحظة، إلى الداخل الإيراني الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بسبب العقوبات الغربية المفروضة، واحتقانٍ اجتماعيٍّ مُتنامٍ، إضافة إلى صراع أجنحةٍ داخل النظام بشأن السياسة الإيرانية في الإقليم. وقد نقلت تقارير صحافية أجواء الاحتقان داخل الحرس الثوري الإيراني بشأن تحديد الجهة المسؤولة عن سقوط نظام الأسد، الذي كان يُعدُّ أكبر حليف استراتيجي لإيران. ومعلومٌ أن الحرس الثوري لعب دوراً محورياً في تدريب الجماعات المسلحة الموالية لإيران، وتزويدها بالخبرة العسكرية اللازمة، هذا علاوة على مساعدته الجيش السوري في التغلب على المعارضة المسلحة، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط.

لم تكن طهران تتوقع أن يتفكّك ''محور المقاومة'' بهذه السرعة، وهي التي استثمرت فيه الكثير من مواردها المالية والعسكرية، على الأقل منذ حرب تموز/ يوليو (2006)، فقد راهنت على بناء حلف إقليمي يمتد إلى لبنان، مروراً بالعراق وسورية. وشكّل حزب الله الرقم الصعب في ذلك لأسباب كثيرة، منها أنه كان شوكة في خاصرة دولة الاحتلال، بسبب ما تَوفّر له من عتاد وأسلحة متطورة، من دون السهو، بالطبع، عن الكاريزما القيادية لزعيمه الراحل حسن نصر الله الذي لعب دوراً حاسماً في إعادة بنائه وتأهيله وتوسيع نفوذه داخل لبنان وخارجه، وفق متطلبات السياسة اللبنانية وتوازناتها الطائفية المعلومة. لم تكتف إيران بذلك، بل مدّت نفوذها جنوباً، وتحديداً نحو اليمن، مستغلةً حالة الفراغ السياسي الناجم عن انقسام النخب والمجتمع اليمنييْن، وتنامي نفوذ الجماعات والمليشيات المسلحة، وعودة مشكلة الجنوب إلى الواجهة، ومخاوف السعودية، استغلّت ذلك كله لتنزل بكل ثقلها، فدعمت الحوثيين، وموّلت مشروعهم السياسي والمذهبي ليشكل عمقاً استراتيجياً بالنسبة لها.

تداعى هذا الاستثمار الاستراتيجي في شهور قليلة، لتجد نفسها في مواجهة أسئلةٍ كثيرة تخصّ مستقبل مشروعها في الإقليم، بعد أن تفكّكت حلقاته الرئيسة في سورية ولبنان. ولعل أكثر ما تخشاه النخبة الحاكمة في طهران أن تصل ارتدادات الانتكاسة التي مُني بها هذا المشروع إلى داخل حدودها. وإذا تأكد ما تناولته تقاريرُ، خلال اليومين المنصرمين، بشأن استعداد سلاح الجو الإسرائيلي لتوجيه ''ضربة تاريخية'' للمقدّرات العسكرية الإيرانية، فإن ذلك قد يكون، في حال حدوثه، الضربةَ التي ستقصم ظهر إيران، وتُربك حساباتها أمام ما استجدّ على الأرض من وقائع. وتمنحُ، بالتالي، دولةَ الاحتلال هامشاً أوسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالحها وتطلعاتها التوسّعية. وهو ما ستكون له تداعياته على صعيد تآكل القوة الإيرانية وانكفاء المشروع النووي الذي قد يتصدّر بنكَ أهداف الضربة الإسرائيلية المحتملة.

من السابق لأوانه الحديث عن بدائل تُسعف إيران في إعادة ترتيب أوراقها، بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي تخيّم على النظام الإيراني بمختلف مكوّناته السياسية والأمنية والعسكرية. لكن المرجح أن هناك حاجة متنامية لإعادة تقييم السياسة الإيرانية في الإقليم، في وجود جيل جديد من النخبة الإيرانية أكثر براغماتية، وأقل ارتباطاً بالإرثيْن الرمزي والسياسي للثورة الإسلامية، وأيضا أقلَّ محافظةً في رؤيته إلى حدود الأدوار التي يُفترض أن تلعبها إيران في الإقليم. ولا شك أن التحولات الحاصلة في فلسطين ولبنان وسورية ستفضي، بدرجة أو بأخرى، إلى إعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية، بما قد يدفع النظام الإيراني إلى مراجعة سياسته الإقليمية، قبل أن تنفد أوراقه بالكامل، ويجدَ نفسه وحيداً من دون حليف إقليمي أو حتى دولي، أمام الصعوبات التي تواجه روسيا في حربها الوجودية مع أوكرانيا.