هل يزول العراق عام 2050؟
عشية الغزو الأميركي للعراق، قفزَت إلى الواجهة نظرية تقول بتقسيم العراق أو تفكيكه، وما لبثت أن أصبحت مدار بحث ومناقشة بين نخب وفي مراكز أبحاث وجامعات، وصدرت كتبٌ ومنشوراتٌ تروّج هذه النظرية، ورأى بعضُهم فيها مسلّمة لا تقبل الجدل، وحدّد لتحقيقها زمنا قريبا، وهناك من رسم خرائط، وأنشأ أقاليم ودولا على الورق أمثلة على ما سيؤول إليه مصير العراق.
ترافق هذا الطرح، في ما بعد، مع إمعان النظر في أوضاع العراق طوال الأعوام العشرين الأخيرة التي اتسمت بغياب الدولة، وسيادة طبقةٍ عملت على تفكيك الهوية الوطنية، وترسيخ الولاءات الطائفية والمذهبية، ودفعت العراق بعيداً عن محيطه العربي، وسعت إلى ربطه بإيران عبر صيغ وممارساتٍ تجعله أقرب ما يكون إلى "محافظة" إيرانية خالصة، كما تنكّرت لمطالب شعبها، وعجزت عن تقديم أبسط الخدمات الأساسية المطلوبة منها، وقد استقوت على مواطنيها بقوة السلاح المنفلت الذي تتحكّم فيه المليشيات ومافيات الجريمة المنظّمة. واقترن ذلك بتصاعد ظواهر الفساد والإفساد، وشمولها كل مرافق المجتمع والاقتصاد، وبارتفاع صيحات بعض من امتلكوا فائضاً في الوطنية، يريدون التمترس في "أقاليم" خاصة بهم، يرونها دولاً، ما جعل محلّلين وكتّاب رأي عديدين يميلون إلى توقّع نتيجة مرّة لما حدث ويحدُث، مفادها بأن العراق مقبل على حالة انهيار، قد تؤدّي إلى زواله إذا لم تعالج المشكلات الحادّة التي استوطنت فيه في غياب قيادة وطنية كفؤة، ومخلصة، ومقتدرة.
ومع أن جهاتٍ عديدةً معنية بالعراق، وحريصة على بقائه، دقّت جرس الإنذار مراراً، إلا أن حكّامه أعطوها "أذنا من طين وأذنا من عجين"، وها هم اليوم أصدقاؤنا الفرنسيون يدقّون الجرس من جديد، وإن التزموا بقاعدة "ما لا يُدرك كله لا يُترك جله" معطوفة على التزام دبلوماسي لا يتيح نشر الغسيل العراقي علنا، حيث ركّزوا على جوانب معيّنة لها صلة بالسياسات الاقتصادية والمائية والديموغرافية، وتأثيرات تغيّر المناخ، وتجنّبوا الخوض في جوانب سياسية واجتماعية أخرى، تفوق الأولى في التأثير والفعل، وتساهم في دفع العراق إلى الانهيار، وحتى إلى الزوال.
تصاعد ظواهر الفساد والإفساد، وشمولها كلّ مرافق المجتمع والاقتصاد
وإلى ما تقدّم، نشر المركز الفرنسي للأبحاث أرقاما مرعبة مستلّة من دراسات ميدانية أجراها عن الواقع العراقي، تفيد بأن عدد سكّان العراق سيصل عام 2050 إلى 80 مليونا، وأن نسبة من هم دون الثلاثين، وهم الذين يطمحون إلى تحقيق مستقبلٍ مستقرٍّ لهم، تصل إلى 68%. وتوقّعت الدراسة أن يرتفع معدل البطالة عندئذ إلى 40% من مجموع القوى العاملة. وهذا يعني أن 25 مليونا سوف يتجهون إلى طلب الهجرة بحثا عن العمل والحياة الرغيدة. وتدعم هذه الأرقام مؤشّرات تنبئ بعدم توفر إمكانية لاستمرار عوائد النفط مستقبلا، ولا لزيادة عائد الناتج الزراعي الذي سيتقلّص بفعل حالة الجفاف، ولا حتى لإمكانية تأمين موارد مستحدثة تعين على سد احتياجات السكان الأساسية التي ستتضاعف عما هي عليه.
يحذّرنا أيضا الخبير الفرنسي، فابريس بلونشت، من أنه إذا لم نتخذ إجراءات جادّة وعاجلة لمواجهة هذا التحدّي فسوف ينتهي بنا المطاف إلى انهيار البلد، وربما زواله بحدود عام 2050. ويلاحظ الباحث في المركز الفرنسي، عادل باخوان، أن العراق يحتاج ما لا يقلّ عن 233 مليار دولار لحل مشكلة الجفاف وتأثيرات التغيّر المناخي وحدها، فكيف بالمشكلات الأخرى؟ ونقرأ على منصة إكس تغريدة يتساءل مطلقها: "هل عجز العراق عن أن يخصّص من حاله لمعالجة أحواله؟ وإذا كانت نسبة المليارديرات فيه أعلى بكثير من نسبتها في سبع دول أوروبية، كما تؤكّد ذلك إحصائية موثقة، فلماذا لا تأخذ الحكومة من هؤلاء لتلبي احتياجات أولئك"؟
ويكبر السؤال: من أين لهؤلاء المليارديرات هذه الثروات الضخمة؟ ولماذا لا تسألهم الجهات المعنية عن مصدر أموالهم، وكيف جنوها في غفلة من التاريخ، وقد كانوا حفاة عراة مشرّدين في هذا البلد أو ذاك، يعتاشون على صدقات المُحسنين قبل أن ينقذهم غزاة بلادهم، ويضعوهم في قمة السلطة لتنفيذ مخطط الخراب والتبعية!
مرّة كتب فرنسيس فوكوياما، صاحب "نهاية التاريخ"، أن الدول إما أن تعيش التاريخ أو أن تعيش ما بعد التاريخ. أما الدول التي تعيش ما قبل التاريخ فمحكومٌ عليها بالانهيار ثم الزوال. ... هل ينطبق قول فوكوياما على العراق؟