هل يلغي عبّاس مخصّصات الأسرى وأسر الشهداء؟
تنصرف الأنظار إلى مفاوضات القاهرة غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، بينما تجري أخرى بين أكثر من طرف في المنطقة والولايات المتّحدة، من دون تركيز ما يكفي من أضواء عليها، رغم أنّها مرتبطة عضوياً وإجرائياً بمفاوضات القاهرة. تحدّث الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بني غانتس، قبل أيام، عن فرصة ينبغي اغتنامها لتحقيق تغيير استراتيجي ضدّ "حماس" وكل من يريد "إيذاء إسرائيل"، وفي مقدّمتهم إيران، تتمثّل في تطبيع مع السعودية من شأنه وضع من يريد إشعال حرب إقليمية ضد إسرائيل في مواجهة تحالف إقليمي (التحالف الإبراهيمي)، والتطبيع الذي يجري العمل عليه يتضمّن أو من شأنه أن يُفضي إلى استبدال "سلطة حماس". وبلغة أخرى، إخراجُها من الملعب تماماً في اليوم التالي لحرب الإبادة.
جاء كلام غانتس هذا في سياق أوسع، تُشكّل الدعوة إلى انتخابات عامة مبكّرة في إسرائيل جزءاً منه، وهو ما يُفهم منه أيضاً أنّ ثمّة مسعىً قد يكون منسّقاً إقليمياً ودولياً للتخلّص من بنيامين نتنياهو، بالتوازي مع التخلّص من "حماس"، وإحداث تغيير شاملٍ في المنطقة يكون من نتائجه الاعتراف بدولة فلسطينية، وتلك يفترض أن توْكَل إلى الولايات المتّحدة والسعودية والسلطة الفلسطينية. وهنا تأتي مهمّة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي كان من المفترض أن يزور الرياض هذا الأسبوع، لولا تعرّضه لكسرٍ في أحد أضلاعه، اضطرّ معه إلى تأجيل زيارته التي قال موقع أكسيوس إنّها استكمال لجهود أميركية لصياغة معاهدة دفاعية بين الطرفيْن، وتفاهمات بدعم أميركي لبرنامج نوويّ سعودي مدني، ترتبطان (المعاهدة والتفاهمات) باتفاق تطبيع سعودي مع إسرائيل شرط التزام الأخيرة بمسار يقود إلى حلّ الدولتيْن.
في موازاة هذا المسار التفاوضي، ثمّة آخر نشط ومتواصل، طرفاه الولايات المتّحدة والسلطة الفلسطينية، التي يفترض، بحسب موقع بوليتيكو الإخباري الأميركي، أن يأتي دورها بعد الانتهاء من مسار القاهرة لملء الفراغ المفترض في قطاع غزّة، من جهة، ولتكون مهيأة لليوم التالي لاتفاق التطبيع المشار إليه، من جهة أخرى، للإشراف على المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن تنتهي بدولة فلسطينية تعترف بها الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي، على أن تُترك مهمّة آليات إنشائها إلى مفاوضات مباشرة بين الجانبيْن الفلسطيني والإسرائيلي، فما هي طبيعة المفاوضات التي تجري بين السلطة والولايات المتّحدة؟
مما يتسرّب، وهو كثير، تقود واشنطن عملية لإصلاح السلطة الفلسطينية بما يجعلها مؤهّلة لقيادة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة بعد العدوان الإسرائيلي، وتكون جاهزة ومؤهّلة لمرحلة إعلان الدولة الفلسطينية، فور الإعلان عن اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي أو بُعيْده. وتتضمّن الخطّة الأميركية، بحسب موقع بوليتيكو، 20 بنداً، منها تدريب قوّات الأمن الفلسطينية للعمل في غزّة، وأخطرها سيكولوجياً، في الأقل على الجانب الفلسطيني، إلغاء مخصّصات عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين. قد يبدو بندٌ كهذا شكلياً وبلا أيّ معنى كبير مقارنة مع التنسيق الأمني أو تكريس الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية وتأبيده بما يضمن أمن إسرائيل أو ملفّاتٍ مثل القدس والحدود ومصير المستوطنات في الضفة الغربية التي تُركت للتفاوض بعد إعلان الدولة المفترضة، لكنّه، في حقيقته، بالغ الأهمّية والخطورة معاً، ويهدف إلى تفكيك الوجدان الفلسطيني إذا شئت، أي أنّه يتعلق بمفهوم "الوطنية" الفلسطينية، العصب الحسّاس للشعب الفلسطيني، وتفريغه من المعنى الوجودي والوطني، بحيث يظهر الفلسطينيون كأنّهم ينتظرون أيّ مكافأة بعدما خرجوا من حرب شوارع، وتنازعوا على شارعٍ أو ملكية بيتٍ، مستخدمين السكاكين والقبضات، وليسوا مناضلين يخوضون حرب تحرير وطنية لتقرير مصيرهم وإنشاء دولة لهم. وهو مسعى يشبه في أهدافه المسعى الإسرائيلي لإلغاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أي رفع الغطاء والشرعية الدوليين في حالتهم، ونقل الصراع من وطني وقانوني دولي إلى مُربّع شجارات الحارات بين دولة ومجموعة من عصابات الشوارع.
تفيد "بوليتيكو" بأنّ المفاوضات في هذا الأمر تتقدّم، لكن ما يُعرف أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس ما زال على موقفه الرافض إلغاء مخصّصات عائلات الشهداء والأسرى، وما نأمله أن يظل كذلك، فليس من مصلحة أحد على الإطلاق هزيمة الفلسطينيين في عمق نظرتهم لأنفسهم ونضالاتهم، بعدما تعذّر كسرهم عسكرياً وفي الميدان.