هوكشتاين خالي المبادرات في لبنان؟

15 مارس 2024
+ الخط -

عكست تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، حالة من التفاؤل الحذر بشأن فرص احتواء التوتر في جنوب لبنان، بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، في 4 مارس/ آذار الجاري، المتوقع أن تتكرّر. وأعلن ميقاتي أن من المنتظر عقد مباحثات غير مباشرة مع إسرائيل خلال شهر رمضان، واعتبر في مقابلة تلفزيونية أن "استقراراً طويل المدى على الحدود الجنوبية يتطلب وقف الانتهاكات الإسرائيلية، وإعادة الأراضي التي تحتلها إسرائيل على طول الحدود".

وأفادت المعلومات الدبلوماسية بأنّ هوكشتاين دعا في لقاءاته مع مسؤولين لبنانيين "إلى ضرورة فصل لبنان عن غزّة وفرض الهدوء على الجبهة الجنوبية". وتفيد المعلومات بأن المبعوث الأميركي "تراجع عن شروط انسحاب حزب الله، ولم يذكر هذا الأمر في اجتماعاته، بحيث صار كل مطلبه وقف إطلاق النار".

قد يتقاطع تفاؤل ميقاتي مع ما حمله هوكشتاين من مساعٍ جديّة لوقف النار على الحدود الجنوبية وفصل ساحات الصراع في المنطقة، لكن هل يصيب التقاطع هذا جدوى الصراع القائم بين حزب الله والجيش الإسرائيلي؟ فهل جلّ ما يريده الحزب لوقف حربه، تطبيق قرار مجلس الأمن 1701؟ وهل الولايات المتحدة وصلت إلى حالة من الإفلاس الدبلوماسي كي يصبح موفدها يقوم بزيارات مكوكية فقط لوقف النار، من دون أن يكون لديه مبادرة جدّية تحاكي جوهر الصراع وماهيته؟

من يستمع إلى خطابات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، المتكرّرة، يدرك أن الحرب القائمة بعيدة كل البعد عمّا يتفاءل به ميقاتي، وأن جميع الطروحات التي يحملها هوكشتاين خالية من المضمون الرئيسي للصراع القائم، باستثناء جديده، وهو "عدم الطلب من حزب الله الانسحاب من الحدود". فهنا قد يصدق المثل "المباحثات الرسمية اللبنانية بمكان، وأهداف حزب الله من فتح جبهة الجنوب بمكان آخر".

أعلن حزب الله منذ 8 أكتوبر أنه دخل الحرب مع إسرائيل إيمانًا منه بضرورة فتح جبهات مساندة لحركة حماس التي تخوض حربًا ضروساً مع العدو في أرض المعركة، أي في قطاع غزّة. وتتوقف المساندة بالنسبة إليه عند خطوط قواعد الاشتباك التي سعى الحزب لرسمها منذ بداية أعماله العسكرية، التي تهدف إلى حصر العمليات العسكرية عند الجانبين في المناطق المحاذية للحدود، لهذا رفع نصر الله سقف التخاطب مع حكومة نتنياهو بأن أي قصف خارج هذا الإطار يعني الحرب الكبرى.

حزب الله غير معنيّ بما يحمله المبعوث الأميركي ولا بما تنادي به الحكومة اللبنانية

رغم تخطّي الضربات الإسرائيلية في أحيان كثيرة قواعد الحزب، إذ طاولت عمق الضاحية الجنوبية عبر اغتيالها قيادياً في "حماس"، ومنطقتي بعلبك الهرمل والغازية في صيدا، ورغم الكشف عن نيات رئيس الوزراء الإسرائيلي بتوسيع الحرب مع لبنان، لغايات ترتبط بحساباته في الداخل، إلا أنّ المعركة لم تزل مضبوطة، ولم تتوسع لتصبح حربًا شاملة، فهذا دليل إضافي على أن حرب الحزب لا ترتبط بأجندات الداخل ولا تهدف إلى ردع إسرائيل، بقدر ما تؤكّد مبدأ وحدة الساحات التي تعمل الإدارة الأميركية على فصلها منذ البداية.

فللجبهة الجنوبية والحرب القائمة حالياً، على ما يبدو، نكهة مختلفة هذه المرّة عن سابقاتها مع العدو. إذ يصرّ الحزب على وضعها في إطار "جبهة مساندة"، الأمر الذي يدحض كل أهداف زيارات هوكشتاين، وإن فرص الهدنة لا ترتبط بالقرار الأممي، ولا بانسحاب إسرائيل مما بقي من أراضي لبنان، ضمنها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

تتمسّك حسابات الحزب بمبدأ "وحدة الساحات" بين قوى الفصائل المتحاربة، التي تنضوي تحت لواء محور الممانعة بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران، وإسرائيل والولايات المتحدة، فهذا إن دلّ على شيء، فعلى أن الجبهة اللبنانية لا ترتبط بالمفاوضات الدبلوماسية، ولا بزيارات هوكشتاين المكوكية للبنان، بل ببساطة تتعلق بمحور يرسم حدود نفوذه في المنطقة العربية من البحر الأحمر وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط.

حزب الله طرفٌ من مجموعة أطراف تشكل محورًا فيما بينها، وتعمل على تكريس واقع جديد في التعاطي مع الإسرائيلي والأميركي

فعبارة نصر الله التي أطلقها منذ إطلالته الأولى، بعد عملية طوفان الأقصى، كانت واضحة في ما يتعلق "بعدم السماح بهزيمة حماس". هنا تتجلى النية الواضحة التي تدفع الحزب إلى فرض تهدئة في الجنوب اللبناني، فشرطه الأوحد والوحيد وقف العدوان على غزّة وفرض تهدئة دائمة، وغير ذلك فهو غير معنيّ بما يحمله المبعوث الأميركي ولا بما تنادي به الحكومة اللبنانية.

ويقرأ بعضهم فشل الحكومة الأميركية بفرضها الهدنة على طرفي النزاع، بأنه مرتبط بفقدان واشنطن "العصا" التي كانت ترهب بها العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فهذه العصا، اقتصادية كانت أو عسكرية، لم تعد "مرعبة" وسط التحولات الدولية، فهي لم تجدِ نفعاً، فها هي حركة الحوثي، رغم العقوبات الاقتصادية والضربات العسكرية المتتالية، لم تزل تنفذ تهديداتها بضرب السفن المتوجهة عبر مضيق باب المندب، وكان آخرها، ما ذكره مسؤول أميركي لشبكة CNN أن هجومًا نُفذ على سفينة True Confidence الأميركية، 6 مارس/ آذار الجاري، وأدّت إلى سقوط قتيلين وتدمير قسم منها.

مهما تعدّدت أسباب فشل مساعي هوكشتاين وإغراءاته للضغط في سبيل وقف حزب الله عملياته العسكرية في الجنوب، فإن الدور الأميركي ومفاعيله وتأثيراته بدأت تتراجع على المعنيين في الصراع. وحزب الله طرفٌ من مجموعة أطراف تشكل محورًا فيما بينها، وتعمل على تكريس واقع جديد في التعاطي مع الإسرائيلي والأميركي. لهذا، لا يرتبط الأمر بما يحمله هوكشتاين، ولا بما تلاقيه الدولة اللبنانية من تمنّيات، بل أصبح في مكان آخر، وذا وجهة نظر مختلفة، تتعلق بجزء مهم من الصراع الدولي القائم على تقليص الهيمنة الأميركية، وتحجيم نفوذها في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب