وداعاً 2021
لم يكن العام المنتهي 2021 سيئاً بالكامل، كما كان الذي سبقه. ولم يكن جيداً بالمستوى الذي تمنّته البشرية. صحيحٌ أن كابوس جائحة كوفيد-19 ومتحوراته لم ينتهِ تماماً، ولكنّ نصراً كبيراً تحقق للإنسانية بمحاصرة الفيروس والتخفيف من شراسته بلقاحات مضادّة، تم التوصل إليها في غضون زمن قياسي. أما الإنجاز الآخر الذي سعدت به البشرية، مطلع 2021، فكان خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض، وإسدال الستار على حقبة سيئة من تاريخ الولايات المتحدة، وقع أسوأ فصولها وآخرها مطلع العام 2021، خلال اقتحام أنصارٍ للرئيس ترامب مقرّ الكونغرس، بدعوى هزيمته في الانتخابات، وقد وضعت تلك المشاهد الولايات المتحدة في مصافّ جمهوريات الموز.
أما عربياً، فقد بدأ العام 2021 بحدث سياسي هام، عندما انعقدت في الأسبوع الأول منه قمّة مجلس التعاون لدول الخليج العربية 41، وسميت "قمة السلطان قابوس والشيخ صباح"، في محافظة العلا في السعودية، ومعها انتهت أزمة حصار قطر وقطيعة بين الدوحة وأربع عواصم عربية (الرياض، أبوظبي، القاهرة، المنامة) استمرت نحو أربع سنوات. وفي الدوحة، كان ختام 2021 مسكاً محلّى بروح رياضية عربية، مع استضافة قطر، 19 يوماً، النسخة العاشرة من كأس العرب، من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/كانون الأول، بمشاركة 16 منتخبا عربيا، واحتضنت 32 مباراة اختتمت بتتويج منتخب الجزائر بعد مواجهة ممتعة مع منتخب تونس. وما بين قمّة العلا وكأس العرب لم تكن أيام العرب كلها كما تشتهي أمة العرب، لم يتوقف النزيف اليمني المتفجّر منذ العام 2015، ولم يعد الاستقرار إلى سورية، وما يزال السودان يتقلب على صفيح ساخن، وتونس محشورة في عنق أزمة تتعقد فصولها مع كل ظهور للرئيس قيس سعيّد، ولايزال الأمل معقوداً على مرور ليبيا نحو أفق جديد، وخروج لبنان من أزماته المزمنة. وغير بعيدٍ، تجدّدت القطيعة بين المغرب والجزائر بعد قطع الأخيرة العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في 24 أغسطس/آب بسبب ما اعتبرتها "أعمالا عدائية" للمملكة. واتهمت المغرب بالتآمر ضدها مع إسرائيل.
وقَطع قطار التطبيع مع الكيان المحتل محطّات متسارعة في العام 2021، فقد شهد افتتاح سفارات وتبادل سفراء وتدشين خطوط طيران مباشرة وتوقيع اتفاقيات في مجالات متعددة، وتوسّعت اتصالات إسرائيل مع دول عربية وإسلامية لضمّها لاتفاقيات أبراهام. وفلسطينياً، لم يكن العام المنتهي إلا عاماً آخر في رزنامة تعميق النكبة المستمرة منذ 1948. وفي مقابل تراجع المشروع التحرّري الفلسطيني، وتوسّع الانقسامات وتعدّدها في الكيان الفلسطيني، تمكّن المشروع الإحلالي الإسرائيلي من نحو 80% من أراضي فلسطين التاريخية بعد إفراغها بالمصادرة والهدم والسطو المُغطى بقرارات محاكم "العدل" الإسرائيلية، ما رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس من 260 ألفا في العام 1993 إلى أكثر من 700 ألف مستوطن في العام الحالي، 450 ألف مستوطن في الضفة الغربية و230 ألفا في القدس الشرقية، يقطنون أكثر من 196 مستوطنة. وارتفعت وتيرة الاستيطان بنسبة 12% منذ تبنّى مجلس الأمن، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، القرار 2334 الذي ينصّ على أن المستوطنات الإسرائيلية تشكل "انتهاكا صارخا للقانون الدولي".
مثل كل سنوات العمر، كانت في العام المنصرف نقمات كثيرة حلت على شعوب وأقوام بعينها، ولكن كان فيه كثير من النعم والإنجازات الطبية والعلمية والتقنية التي ستذكُرها البشرية لسنوات مقبلة. عام آخر نطوي نهاراته ولياليه، وقد ودّعنا أحباء كثيرين مضوا، واستقبلنا فيه أحبة آخرين نتمنّى لهم حياة مليئة بالخير والسلام. عام آخر نقلب صفحات أيامه بحلوها ومرّها، ونتطلع إلى عام جديد تنتصر فيه قيم العدالة والحرية والديمقراطية والتسامح والسلام على أمراض التطرّف والعنصرية والتمييز والكراهية.