مع وفاة سامي ميخائيل... أبدية إسرائيل الصهيونية وهم!
مع وفاة الكاتب الإسرائيلي من أصل عراقي، سامي ميخائيل (97 عاماً)، أوّل من أمس الاثنين، من المهم أن نستعيد بعض ما كان استشرفه في أول أعوام العقد الثاني من القرن الحالي بشأن ما ستؤول إليه إسرائيل، وهو ما يتحقّق، بكيفية ما، أمام أبصارنا في ظلّ الحرب المستمرّة على قطاع غزّة. ففي سياق محاضرة ألقاها في يوليو/ تموز 2012 لدى افتتاح المؤتمر الدولي لجمعية دراسات إسرائيل في جامعة حيفا، دعا إلى التخلّي عن خداع الذات، ورؤية أنّ الثقافة في إسرائيل مُسمّمة منذ وقت بعيد، نتيجة لحقن روح الأجيال الجديدة وعقولها، من سنّ الحضانة وحتى الشيخوخة، بشحنات من الكراهية والارتياب والبغضاء تجاه الآخر الغريب والمختلف، وخصوصاً تجاه العرب، ما أدّى إلى، وما كان من غير الممكن إلا أن يؤدّي إلى، ظهور بوادر فاشيّة روحيّة وثقافيّة، والسير في سكّة إدارة الظهر للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان.
كما رأى ميخائيل، في وقت لاحق، أنّ سبب انهيار ما كان يُعرف باليسار في إسرائيل يعود إلى أنّه مزّيف، وأنّه مع صعود قوة اليمين بشكل عام، واليمين الديني بشكل خاص، فقد تحوّلت العنصرية إلى حقيقة مُسلّم بها تقريباً، وتوقّع أن تُتوّج إسرائيل قريباً بلقب "الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتقدّم". وشيئاً فشيئاً بدأ يجاهر بأنّ إسرائيل لا يمكن أن تكون وطناً روحيّاً له، وأنّه نظراً لبلوغه سنّاً لا تتيح له إمكان أن يجرّب مُجدّداً صدمة المهاجر، فهو يؤثر البقاء مُهاجراً داخل بلده. غير أنّ رغبة الربط بين ما بدر عن ميخائيل من أحكام (وتوقّعات) والواقع القائم حالياً، بعد انقضاء نحو نصف عام على أعنف حرب تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني بغزّة، تستلزم استعادة تأكيده في المحاضرة المذكورة نفسها أعلاه أنّ إسرائيل، على الرغم من قوتها وجبروتها، لم تفز طوال الأعوام التي أعقبت 1967 بأي انتصار عسكري واضح في ساحة الحرب والقتال، ولا حتى ضدّ من وصفهم بأنهم مليشيات بسيطة. ولذا نجد أنّه حين تعجز الدبابة والطائرة عن توفير الردّ تزدهر الميول المسيانية الخلاصية. كما أنّ فرداً أو دولة يتبنيان نصّاً دينيّاً مرشداً روحياً ووثيقة تُعطي حقّ الملكية لا يمكن لهما أن يبقيا علمانيين إلى ما لا نهاية. ومع تعاظم القوة الانتخابية للصهيونية الدينية واليهود الحريديم تعقّدت البنية الاجتماعية السياسية إلى حدّ بعيد. وهذه القوة الدينية نمت في البداية في دفيئة الصهيونية العلمانية، إذ إنّ ديفيد بن غوريون هو من أعطى الشرعية للأحزاب الدينية حين روّج بصورة استحواذية للوعي اليهودي، كما حوّل "التناخ" إلى مسار تأهيل حتى لمدرسي الثقافة والأدب.
وسخر ميخائيل، في أكثر من مقام، ومن خلال تسلّمه منصب الرئيس الفخري لجمعية حقوق المواطن أعواماً طويلة، من الذين يعتقدون بأنّه يمكن أن تُكتب ديمومة أبدية لدولة الاحتلال، عبر العيش على أسنّة الحراب، فعلى امتداد التاريخ لم تكتب هذه الأبدية لكيانات عملاقة، مثل اليونان، ومصر الفرعونية، والإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية العثمانية، وحكم البيض في جنوب أفريقيا، والاستيطان الكولونيالي الفرنسي في الجزائر، ومن هنا فإنّ أشخاصاً يعانون من ضيق أفق وضحالة تفكير يمكنهم فقط أن يلهجوا بكلمات سامية، من قبيل الأبدية التي هي ليست أكثر من وهم. ويصل إلى بيت القصيد حين يشدّد على أنّ هناك خطراً وجوديّاً يتربص بإسرائيل إن لم تدرك زعامتها أنها دولة لا تقع في شمال أوروبا، وإنما في مركز الشرق الأوسط المُعذّب، ناهيك عن أن ما تفعله لا يُبقي لها مكاناً في الشرق الأوسط على المدى البعيد، بعدما جعلته يكرهها، وأكّدت ليل نهار أنّه مكروهٌ لديها. و"إذا لم نجد حلاً عدا الدبابة والمدفع اللذين شاهدنا عجزهما أمام طفل حافي القدمين يحمل حجراّ في يده، فإننا قد نخسر كل شيء. وربما تكون دولة إسرائيل ظاهرة عابرة على غرار الهيكل الأول والهيكل الثاني".