لن نبكي شهداءنا
بعد استشهاد فارسي عملية القدس غسان وعدي أبو جمل لن نبكي شهداءنا.. فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار بإذن الله. ولن نندب قدرنا.. فهذا هو قدرنا.. قدرنا الفلسطيني ..
قدر الفلسطينيين أن يقاوموا.. ويقاوموا.. ويجاهدوا.. ويستشهدوا..
قدر الفلسطينيين أن يواجهوا لوحدهم هذه الهجمة الصهيونية التي لم يسلم منها الأطفال الرضع والفتية والنساء والشيوخ والشباب حتى الحجر والحيوان والطير..
فكل ما في فلسطين استباحه العدو الصهيوني منذ عشرات السنين، ويستبيحه يوميـًا هذه الأيام ..
والنظام العربي يصر، إصرارا عجيبـًا، على أن خياره الاستراتيجي هو خيار السلام، ليظهر للعالم بأنه دواجن سلام ..! أمام الذئاب الإسرائيلية اغتصبت الإنسان والأرض والمقدسات الفلسطينية والإسلامية، وانتهكت الأعراض، ودنست المقدسات. هذا الشعار المسخ الذي ابتدعه بعض المنهزمين في أمتنا العربية، وصدقه أخرون، وتمسكوا به حتى آخر فلسطيني.. والعالم الغربي يمارس مؤامرة الصمت والاستهتار واللامبالاة ضد الشعب الفلسطيني..
على مدى قرن من الزمان نزف الفلسطينيون من الدماء ما لم ينـزفه شعب من الشعوب.. وخلال هذه الرحلة الطويلة بين الفلسطيني والدم، ورغم شلال الدماء الذي سال على أرض فلسطين الذي اختلط بترابـها لينبت شقائق النـعمان المتمثلة في شهدائنا البررة، فإن عدونا الأزلي والأبدي لا زال مصرا على إبادة كل ما هو فلسطيني في ظل صمت عربي أين منه صمت القبور..
وأمام عالم منافق لا يحترم إلا القوي، وإن كان مجرمـًا وقاتلا.. ولا يعترف بالأخلاق والحقوق.. يقف مع الجلاد ضد الضحية ليشارك في ذبحها..
لم يتحرك هذا العالم المنافق عندما شاهد الرصاص الإسرائيلي يقتل الطفل محمد الدرة بين يدي والده.. وقذائف الدبابات الإسرائيلية تغتال الرضيعة إيمان حجو وهي في أحضان أمها.. وصواريخ الطائرات الأباتشي تغتال الطفلين الشقيقين أشرف وبلال أبو خضر.. ومتفجرات الحقد الإسرائيلي تنثر أجساد الطفلين شهيد وملاك وبركات في الهواء بعد نسف منـزلـهم فوق رؤوسهم..
ولم يتحرك العالم عندما مزقت قذيفة دبابة جسد الطفل فارس عودة بعد أن قذف دبابة المحتل بحجر.. وعندما مزق رصاص المستوطنين القتلة جسد الرضيع ضياء الطميزي..
ولم يتحرك هذا العالم عندما قصفت البوارج الإسرائيلية شاطئ غزة وقتلت سبعة من أفراد عائلة الطفلة هدى غالية أمام بصرها..
ولم يتحرك هذا العالم المنافق عندما شاهد الطفل محمد حسين أبو خضير من حي شعفاط المقدسي، الذي خطف وعذب وأحرق وهو على قيد الحياة على أيدي حاخام صهيوني واثنين من أبنائه، وثلاثة آخرين من المستوطنين.
ولم يتحرك العالم عندما ضرب المستوطنون الصهاينة يوسف الرموني بالأدوات الحادة والمفكّات، ثم شنقه بدم بارد في الحافلة التي يقودها في القدس، وكانت التهمة الموجهة له أنه فلسطيني..
ولا يتحرك العالم عندما ينفذ المستوطنون الصهاينة جرائم الدهس بشكل يومي في شوارع الضفة الغربية بحق الفلسطينيين العزل، منذ سنوات عدة، كانت آخر تلك الجرائم حادثة دهس مستوطن لطفلتين فلسطينيتين، بشكل متعمد في قرية سنجل في الضفة الغربية، واستشهاد إحداهما، وهي إيناس شوكت دار خليل التي استشهدت في الطريق بين بيتها وروضة الأطفال، وإصابة الطفلة، تولين عمر عصفور، بجراح خطيرة، ما يشير إلى الحقد والكراهية والعنصرية التي يضمرها هؤلاء المستوطنون المتطرفون بحق كل ما هو فلسطيني على الأرض الفلسطينية.
ولم يتحرك العالم أمام إرهاب الدولة الإسرائيلي المنظم من عمليات الاغتيال والاعتقال اليومية للفلسطينيين التي تنفذها الأجهزة الأمنية الصهيونية. ولم يتحرك هذا العالم أمام آهات آلاف الأسرى والمعتقلين في المعتقلات الاسرائيلية، منذ عشرات السنين، وأنات الجرحى والمعاقين ودماء آلاف الشهداء ودموع الثكالى والأرامل والأيتام.
لم يتحرك العالم أمام حالة الحصار والتجويع التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكثر من تسع سنوات، والتي وصلت إلى حد المجاعة.
ولم يتحرك العالم أمام المرضى من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وموتهم على الحواجز الإسرائيلية بين المدن والقرى الفلسطينية، بعد منعهم من الذهاب إلى المستشفيات، بل قامت كل الدنيا، ولم تقعد، بعد عملية الفارسين، غسان وعدي أبو جمل، في القدس المحتلة. وقد أثبتا، بدمائهما الطاهرة، أننا أمة نصفها من الشهداء والنصف الآخر من الأبطال، وأن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد وأن يحصد النصر.
ولقد أدرك الفارسان، غسان وعدي أبو جمل، أن دماءهما الزكية التي سالت على أرض فلسطين ستضيف خطوات واثقة على الدرب السائر في اتجاه العزة والكرامة والإباء. الدرب الوحيد إلى فلسطين، درب الشهادة والتضحية والفداء.
ولقد كشفت دماء الفارسين الشهيدين، ومن قبلهما دماء محمد أبو خضير ويوسف الرموني، وشهداء عمليات الدهس والقتل للصهاينة في القدس، الأبطال عبد الرحمن الشلودي ومعتز حجازي وإبراهيم العكاري ومحمد الجعابيص وحسام دويات وغسان أبو طير، الشرعية الدولية العوراء التي لا ترى إلا بعين واحدة لصالح العدو الصهيوني.
وأشارت دماء الشهداء التي سالت ولا تزال على ثرى فلسطين الطاهر يوميـًا على العجز العربي والإسلامي، وعلى الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني من ذوي القربى، والانحياز الصارخ للدول التي تتشدق يوميـًا بحقوق الإنسان والحيوان، مع العدوان والطغيان ضد الفلسطينيين.
مع ذلك، علينا الاعتراف بأن التخاذل الذي أبداه بعض من أبناء جلدتنا تجاه أعدائنا هو الذي جعل هذا العدو يتجاسر على محاولاته المتكررة لإلغائنا وإبادتنا. يبدأ التخاذل عندما نقوم بتلوين أعدائنا ونختار اللون الذي يناسبنا، فهذا مع التسوية، والآخر مع السلام. هذا مع تكسير عظام الفلسطينيين، وذاك مع كسر رقابـهم. هذا مع قتلهم بالطائرات والدبابات، وذاك بالحصار والتجويع. هذا من الحمائم، والآخر من الدواجن، وذاك من الصقور، مع أن الجميع ذئاب متوحشة، فلنتوقف عن تصنيف أعدائنا.
ولنخلع هذه الملابس الجميلة والبدل التي نلبسها من أرقى المحلات العالمية، ولنلبس ملابس الحرب والأحزمة الناسفة أمام هذا العدو المتغطرس الذي يقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا، وينسف البيوت على رؤوس سكانها من المدنيين العزل، ويقضم الأرض شبراً شبراً، ويزرع مستوطناته في قلوبنا وعلى صدورنا، بل وفي عقولنا، ويهدد يوميـًا باجتياح أرضنا الفلسطينية، ولنثأر لأطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا ونقتص من قتلتهم.
فلنثأر لدماء شهداء شعبنا.
فلندفع عن أنفسنا..
ولن نبكي شهدائنا بعد اليوم.. بل سنردد جميعـًا:
لا تصالح ولو منحوك الذهب
أترى؟
حين أفقأ عينيك
وأثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى
لا تصالح على الدم حتى بدم
إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ولا تتوخى الهرب.