صاحبة "هاري بوتر" ومحمود درويش
بريطانيا، التي تعهَّد وزير خارجيتها، آرثر جيمس بلفور، باسم حكومتها بإقامة "وطن قومي لليهود" في فلسطين عام 1917، هي نفسها التي لديها أكبر حملة مقاطعة أكاديمية لإسرائيل. ليس لحكومة نتنياهو، المكروه شرقاً وغرباً، بل لقطاع التعليم الإسرائيلي بأسره. مقاطعة لنظام وليس لحكومة، كما كان الحال مع نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، لا تزول إلا بزوال أسبابها: الاحتلال.
جرت محاولات إسرائيلية، وبريطانية مؤيدة لها، ترمي إلى وضع حد لهذه المقاطعة المكلفة معنوياً، على الأقل، لإسرائيل. ولكن، من دون نجاح يذكر.. إلى أن نشر نحو 150 كاتباً بريطانياً، قبل أيام، رسالة في صحيفة الغارديان ترفض المقاطعة الثقافية لإسرائيل. هذا هجومٌ مضادٌ قويٌّ لرافضي المقاطعة أفلح في أن يضمّ إليه اسم جي كيه رولينغ، صاحبة "هاري بوتر"، وبضعة أسماء أخرى مهمة، مثل هيلاري مانتل الفائزة بجائرة مان بوكر البريطانية للرواية. فقبل بضعة أشهر، وقَّع نحو 700 مثقف وفنان بريطاني عريضة تطالب بوقف التعامل الثقافي والفني مع إسرائيل التي تمعن في قمعها الشعب الفلسطيني وإذلاله. كانت تلك القائمة الأكبر في الحرب الثقافية والتعليمية ضد النظام الإسرائيلي. يكفي أن يعرف العرب أن نقابات طلاب الثانوية والتعليم ما قبل الجامعي البريطانية من بين القوى الرافضة للتعامل الأكاديمي مع إسرائيل، ليدركوا مدى اتساع رقعة هذه الحملة.
وها هي القوى التي ترفض المقاطعة الثقافية ترد. وتنجح في تسجيل نقطةٍ لافتةٍ في هذا الصراع المفتوح الذي لا يكاد يعرف العرب شيئاً عن مجرياته، بل ربما عن وجوده. لكن، لولا وجود اسم رولينغ، الكاتبة الأغنى والأكثر مبيعاً في العالم، لمرّت، على الأغلب، رسالة ألـ 150 كاتباً بريطانياً مرور الكرام على مستوى التداول الإعلامي واسع النطاق، بيد أن لا شيء يمرُّ مرور الكرام عندما يرتبط باسم رولينغ التي بدأت مسيرتها الأدبية المظفرة، من على طاولة مقهى في مدينة أدنبره الأسكتلندية، أماًّ لطلفة منفصلة عن زوجها، تعيش على الدعم الحكومي للعاطلين من العمل!
لا كاتب/ كاتبة، ماضياً وحاضراً، حظي بهذا الوضع الاجتماعي، فضلاً عن الاقتصادي، الذي تحظى به الكاتبة الأسكتلندية التي سارت، بموهبة أقل وخيال أدنى، على طريق جي. ر. ر. تولكينغ، واضع ملحمة الفنتازيا "سيد الخواتم". ولا بدَّ أن معظم مرتادي الصالات السينمائية، خصوصاً مع عائلاتهم، يعرفون العالمين الفنتازيين لتولكنغ ورولنغ اللذيْن تحولا إيقونات عالمية، مع ميل نقدي قوي إلى رائد هذا الجنس: تولكينغ.
لم تضع جي. كيه. رولينغ اسمها على قائمة المعارضين للمقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، من دون أن تضيف بُعداً لم يحرص عليه الآخرون، فقد انفردت بين الـ 150 موقِّعاً على الرسالة بتوجيه نقد شديد لإسرائيل. قالت لجمهورها الذي انزعج من توقيعها على الرسالة: إن الشعب الفلسطيني تعرّض لظلم ووحشية، وأود أن أرى الحكومة الإسرائيلية تتحمل مسؤوليتهما. ليس هذا فقط. كشفت عن بُعدٍ آخر لم يكن يعرفه عنها جمهورها. وقد تكون هذه الإضافة أقوى، بكثير، من توقيعها على رسالة "الغارديان".
من كان يعرف أن سيدة الفنتازيا، الكاتبة الأكثر شهرة في العالم، قارئة جيدة لشعر محمود درويش "الذي يفطر القلب"؟ من يقول: ماذا يعني ذلك؟ ماذا تضيف رولينغ إلى منزلة درويش الشعرية العالمية؟ لا يعرف شيئاً عن تأثير "السلبرتيز" على الرأي العام العالمي. لم تدع رولينغ توقيعها يضعها في صف المعتدي والمحتل والقوي الذي يفتح طريق الشهرة والمال في الغرب، لمن يسعى إليهما. فها هو محمود درويش يحضر في النقاش الذي أثارته رسالة ألـ 150. تقول رولينغ إن درويش من بين الذين ألهموها موقفها المعادي للعدوان الإسرائيلي، بيد أن هذا شيء والمقاطعة الثقافية العامة شيء آخر. فهي لا ترى أنها ستسهم في طرد نتيناهو من مكتبه في رئاسة الوزراء، وربما أضرَّت هذه المقاطعة بمن لم يصوتوا له!
وجهة نظر لا نؤيدها.