31 أكتوبر 2024
الأسد جيد.. لا يقتل سوى السوريين!
من مفارقات في السياسة الدولية أنّ جميع الأحداث، وأياً يكن محتواها ومضمونها وأبعادها، تصب في كيس رأس النظام السوري، وتعود عليه بالفائدة، وسواء كان الحدث عملاً إرهابياً على شاكلة تفجيرات باريس، أو حادثاً عسكرياً على شاكلة إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية، وعلى الرغم من أنّ الجذر المسبّب لكل هذه الأحداث هو نظام الأسد، بوصفه القطب الذي استدعى دائرة النار تلك، وصنعها بمزاجٍ عالٍ وتقنيات معقّدة، وبالتالي، يفترض أن تقلل هذه الأحداث من رصيده عند حلفائه الذين يفترض أنّهم سئموا من مجاراة سلوكه الخطر، وتزيد من حدة إصرار خصومه على زواله، بعدما تبيّن صحة موقفهم منه، فإنّ العكس هو ما يحصل دائماً!
كان منطقياً وطبيعياً أن تشكّل أحداث باريس وبروكسل، بالنسبة للدول الأوروبية، والغربية عموماً، فرصة لمراجعة الذات، وإعادة تقويم السياسات الدولية تجاه النظام السوري، والدوائر الإقليمية والدولية الداعمة له، وأن تفتح الباب أمام أسئلة طبيعية من نوع: كيف لم تعمل قوى العالم الحر على التحرّك لإنهاء الكارثة الحاصلة في سورية، ووقف دائرة الاستقطاب، واستدعاء التطرف عندما كان ذلك ممكناً، حتى قبل أن يقصف نظام الأسد شعبه بالأسلحة الكيماوية، ويدير بعدها أكبر مذبحة في العصر الحديث؟ وإجابة على هذه الأسئلة، كان طبيعياً أيضاً اتباع سياسات واضحة تصب في اتجاه تصحيح ذلك الخطأ، ومغادرة السياسات الملتبسة والحذرة التي لم ينتج عنها سوى اتساع دائرة الخطر وارتفاع نسبة احتمالات وقوع تلك الدول في دائرة الاستهداف.
يطرح تراجع دول أوروبا عن شعاراتها ومطالبها بضرورة رحيل نظام الأسد، والذهاب، بدل ذلك، إلى تكريسه في المعادلة السورية، أسئلة حول المغزى السياسي والأهداف الحقيقية لهذا التغيير، وطبيعة الوسائل والسياسات التي ستترجم هذا التحول إلى وقائع على الأرض، ومدى تأثيرها تالياً على صيرورة الأحداث.
لا يمكن التعامل مع هذه المسألة بالنظر إليها مجرد تكتيك سياسي، بهدف احتواء التطورات الناتجة عن التدخّل الروسي في سورية، ولا هي تعديل بسيط في الأولويات، على ما تحاول السياسة الأوروبية تبريره، بل هي سياسة متدرجة، تذهب باتجاه تبني رواية نظام الأسد وروسيا وإيران من أنّ الأكثرية السورية التي ثارت على الأسد إرهابيةً وحاضنة للإرهاب، وأنّ التنسيق معه، وقبوله طرفاً في معالجة التداعيات، نوع من الاعتراف بخطأ الرؤية الأوروبية السابقة، وهي انحياز صريح لطرف واحد في الحرب "حلف الأقليات"، في وقت تقتل روسيا كل المعارضين العرب السّنة، وتوفر إمكانية لإقامة دولة أقلوية في الساحل، وتغطي الأكراد جوياً في الشمال، وفي وقت تدعم إيران، بشكل صريح، فكرة إقامة جيوب طائفية في المنطقة.
وهي، من جهة ثانية، حصر حلول الأزمة في الجانب الأمني والحل العسكري، وإخراجها من
دائرتها الحقيقية، بوصفها حرباً على مكونات اجتماعية سياسية عريضة يجري إقصاؤها واقتلاعها. والانعطاف إلى هذا الاتجاه هو خضوع الدوائر السياسية الغربية لضغوط أجهزة المخابرات التي تميل إلى التنسيق مع نظيراتها الروسية والإيرانية، والتي لا ترى في القضية سوى ملاحقة بعض الأفراد المشبوهين واصطيادهم، ولو تطلب الأمر التضحية بمجتمعات عريضة، والتضحية، بموازاة ذلك، بقيم الحرية والعدالة الإنسانية.
وهي، من جهة أخرى، اعتراف غير موارب بأن بشار الأسد الذي دانته دول الغرب يوماً لذبحه شعب سورية بالكيماوي، بأنه فعل ذلك، بهدف تنوير هذا الشعب، وتخليصه من درن التطرف والغوغائية، وأنه يكتفي بقتل هؤلاء البرابرة، وليست لديه النية بإلحاق الأذى بشعوب أوروبا، وهي الفكرة التي طالما روجتها روسيا، تصريحاً أو تلميحاً. وتالياً، فإن قتل جموع هؤلاء البرابرة لا يتساوى أمام مجرد الإحساس بالخوف من احتمالية حصول عمل إرهابي واحد.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّه ليست لدى أوروبا والعالم الغربي مبادئ صلبة وخاصة، لجهة حقوق الآخر خارج عالمهم، وأنهم غير مستعدين لدفع الاستحقاقات المترتبة على التزامهم الدفاع عن تلك المبادئ ويكتفون من الغنيمة بالسلامة، وأن المكون الانتهازي في السياسات الدولية هو الأكثر عملانية وفعالية.
المعنى الأكثر أهمية من ذلك كله أن حالة الرعب والتوهم أفقدت العالم الغربي حساسيته السياسية، وقدرته على القراءة والتقدير والتحليل، فلم ينتبهوا إلى أن الروس يسابقون الزمن، لصناعة تحالفات، وبناء تسويات سياسية، تنقذهم من الوضعية التي وجدوا أنفسهم داخلها، وإن لم تساعدهم الأطراف الأخرى، سيضطرون بأنفسهم إلى تقديم تنازلاتٍ جوهريةٍ تضمن سلامتهم، وأنّ دول الغرب لم تكن بحاجة للتورط في صفقات مشبوهة، وتقديم تنازلات مضرة بسمعتها بالفعل.
ولمعرفة حجم المشكلة الحاصلة، لنتخيّل حصول حادثة أخرى في أوروبا، وهو أمر يقع في إطار الاحتمالات، فما الذي سيحصل في الموقف تجاه الأسد والقضية برمتها؟ ألا يعني أن أوروبا وضعت نفسها على سكة رحمة التغيرات والتطورات، وإنّها، تبعاً لذلك، ستجد نفسها مضطرّة بشكل أكبر لتقديم تنازلات خطيرة على هذا الصعيد. والسؤال هل سلسلة التنازلات التدرجية ستفضي إلى حل للمشكلة، ليس بالنسبة للسوريين، وإنما من باب القضاء على داعش؟ ألا تؤدي هذه التنازلات الانهزامية في مواجهة تحالف روسيا إيران إلى اختلال في موازين القوى العالمية، وخضوع للقوى الخطأ، بما يفتح الباب أمامها لتشكيل خطر على الأمن والسلم الدوليين؟
كان منطقياً وطبيعياً أن تشكّل أحداث باريس وبروكسل، بالنسبة للدول الأوروبية، والغربية عموماً، فرصة لمراجعة الذات، وإعادة تقويم السياسات الدولية تجاه النظام السوري، والدوائر الإقليمية والدولية الداعمة له، وأن تفتح الباب أمام أسئلة طبيعية من نوع: كيف لم تعمل قوى العالم الحر على التحرّك لإنهاء الكارثة الحاصلة في سورية، ووقف دائرة الاستقطاب، واستدعاء التطرف عندما كان ذلك ممكناً، حتى قبل أن يقصف نظام الأسد شعبه بالأسلحة الكيماوية، ويدير بعدها أكبر مذبحة في العصر الحديث؟ وإجابة على هذه الأسئلة، كان طبيعياً أيضاً اتباع سياسات واضحة تصب في اتجاه تصحيح ذلك الخطأ، ومغادرة السياسات الملتبسة والحذرة التي لم ينتج عنها سوى اتساع دائرة الخطر وارتفاع نسبة احتمالات وقوع تلك الدول في دائرة الاستهداف.
يطرح تراجع دول أوروبا عن شعاراتها ومطالبها بضرورة رحيل نظام الأسد، والذهاب، بدل ذلك، إلى تكريسه في المعادلة السورية، أسئلة حول المغزى السياسي والأهداف الحقيقية لهذا التغيير، وطبيعة الوسائل والسياسات التي ستترجم هذا التحول إلى وقائع على الأرض، ومدى تأثيرها تالياً على صيرورة الأحداث.
لا يمكن التعامل مع هذه المسألة بالنظر إليها مجرد تكتيك سياسي، بهدف احتواء التطورات الناتجة عن التدخّل الروسي في سورية، ولا هي تعديل بسيط في الأولويات، على ما تحاول السياسة الأوروبية تبريره، بل هي سياسة متدرجة، تذهب باتجاه تبني رواية نظام الأسد وروسيا وإيران من أنّ الأكثرية السورية التي ثارت على الأسد إرهابيةً وحاضنة للإرهاب، وأنّ التنسيق معه، وقبوله طرفاً في معالجة التداعيات، نوع من الاعتراف بخطأ الرؤية الأوروبية السابقة، وهي انحياز صريح لطرف واحد في الحرب "حلف الأقليات"، في وقت تقتل روسيا كل المعارضين العرب السّنة، وتوفر إمكانية لإقامة دولة أقلوية في الساحل، وتغطي الأكراد جوياً في الشمال، وفي وقت تدعم إيران، بشكل صريح، فكرة إقامة جيوب طائفية في المنطقة.
وهي، من جهة ثانية، حصر حلول الأزمة في الجانب الأمني والحل العسكري، وإخراجها من
وهي، من جهة أخرى، اعتراف غير موارب بأن بشار الأسد الذي دانته دول الغرب يوماً لذبحه شعب سورية بالكيماوي، بأنه فعل ذلك، بهدف تنوير هذا الشعب، وتخليصه من درن التطرف والغوغائية، وأنه يكتفي بقتل هؤلاء البرابرة، وليست لديه النية بإلحاق الأذى بشعوب أوروبا، وهي الفكرة التي طالما روجتها روسيا، تصريحاً أو تلميحاً. وتالياً، فإن قتل جموع هؤلاء البرابرة لا يتساوى أمام مجرد الإحساس بالخوف من احتمالية حصول عمل إرهابي واحد.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّه ليست لدى أوروبا والعالم الغربي مبادئ صلبة وخاصة، لجهة حقوق الآخر خارج عالمهم، وأنهم غير مستعدين لدفع الاستحقاقات المترتبة على التزامهم الدفاع عن تلك المبادئ ويكتفون من الغنيمة بالسلامة، وأن المكون الانتهازي في السياسات الدولية هو الأكثر عملانية وفعالية.
المعنى الأكثر أهمية من ذلك كله أن حالة الرعب والتوهم أفقدت العالم الغربي حساسيته السياسية، وقدرته على القراءة والتقدير والتحليل، فلم ينتبهوا إلى أن الروس يسابقون الزمن، لصناعة تحالفات، وبناء تسويات سياسية، تنقذهم من الوضعية التي وجدوا أنفسهم داخلها، وإن لم تساعدهم الأطراف الأخرى، سيضطرون بأنفسهم إلى تقديم تنازلاتٍ جوهريةٍ تضمن سلامتهم، وأنّ دول الغرب لم تكن بحاجة للتورط في صفقات مشبوهة، وتقديم تنازلات مضرة بسمعتها بالفعل.
ولمعرفة حجم المشكلة الحاصلة، لنتخيّل حصول حادثة أخرى في أوروبا، وهو أمر يقع في إطار الاحتمالات، فما الذي سيحصل في الموقف تجاه الأسد والقضية برمتها؟ ألا يعني أن أوروبا وضعت نفسها على سكة رحمة التغيرات والتطورات، وإنّها، تبعاً لذلك، ستجد نفسها مضطرّة بشكل أكبر لتقديم تنازلات خطيرة على هذا الصعيد. والسؤال هل سلسلة التنازلات التدرجية ستفضي إلى حل للمشكلة، ليس بالنسبة للسوريين، وإنما من باب القضاء على داعش؟ ألا تؤدي هذه التنازلات الانهزامية في مواجهة تحالف روسيا إيران إلى اختلال في موازين القوى العالمية، وخضوع للقوى الخطأ، بما يفتح الباب أمامها لتشكيل خطر على الأمن والسلم الدوليين؟