23 سبتمبر 2024
"الإخوان المسلمون": الاستثمار المديد للقصور الذاتي
ترتبط المناقشات الداخلية في جماعة الإخوان المسلمين في مصر بمتغيرات داخلية وخارجية عديدة، وكان لافتاً أن هذه المناقشات وصلت إلى مستوى الخلاف بشأن الخيارات السياسية والفكرية، ما يشير إلى أن الجماعة تواجه إشكالية تتعلق بقدرة تكوينها وأنماط عملها الحالية على التكيف مع المرحلة المقبلة. ولذلك، فإن أسئلة كثيرة تظهر فيما يتعلق بفرص التنوع الفكري، وتفسير الأوضاع الراهنة، خصوصاً ما يتعلق بالخيارات التي اتخذتها الجماعة منذ يناير 2011.
وفي الوقت الراهن، ظهرت مناقشات أو خلافات حول أولوية التوجهات الفكرية في العمل السياسي، وثار جدل حول مفهومي السلمية (التدرجية) والثورية، إطاراً لمعالجة الأزمة السياسية في مصر، وهي مسألة صارت تشكل معضلة في تناول الظواهر السياسية، فعلى الرغم من أن التوجهات الفكرية لحركة الإخوان المسلمين تحتمل الثورية والسلمية، لكنها لا تحتمل فوضوية، فإن ما يبدو خلافاً فكرياً يبدو حالة ظاهرية، ما يثير التساؤل عن تصاعد الخلافات الداخلية بشأن أولويات تضمنها الميراث الفكري للجماعة.
لعل السياقات؛ التاريخية والسياسية، تكشف عن استقرار أفكار "الإخوان" وتوجهاتهم على مبدأ السلمية في معناها التدرجي، لكن انخراط الجماعة في التغيرات السريعة بعد ثورة يناير كشف عن انخفاض قدرة مفهوم السلمية التدرجية على التكيف مع الواقع الجديد، حيث تصاعدت وتيرة الأحداث، وظهر التنافس الديمقراطي على السلطة وسياسات إدارة الدولة، ما يشكل انتقالاً غير مخطط نحو الانحياز للخيارات الثورية.
وعلى الرغم من أن أفكار "الإخوان" تحتمل التدرجية والثورية، فإن العقود السابقة شهدت ميلاً شديداً نحو التدرجية، ما رسخ انطباعاً باعتباره مبدأ عاماً للتغيير السياسي والاجتماعي، ومرادفاً وحيداً للسلمية، فيما انحسر الاهتمام بفكرة الثورة أو الثورية، وهي حالة ترتبت على ندرة الكتابات الفكرية وكثافة الاعتماد على الموجهات التنظيمية، وبشكلٍ قلل من القدرة على تطوير المصادر الفكرية والتأسيسية للجماعة.
تناولت بعض البيانات السلمية مبدأ ثابتاً، بعرضٍ للأدبيات التي تبناها "الإخوان" عبر مراحل سياسية مختلفة، وهو تناول يتسق مع الطبيعة الإصلاحية للحركة، ومنهج تغيير اجتماعي متدرج، لكن هذا التوجه اهتز مع اندلاع ثورة يناير 2011 والتداعيات اللاحقة عليها، حيث برزت الميول الثورية والتغيرات السريعة فيما تتراجع فكرة التدرجية.
ويشكل هذا الواقع خلفية الانتقال غير المنهجي من التدرجية للثورية، ما أثار إشكالات جديدة، كان أهمها الخلط بين الثورة والعنف، وهذا ما يشكل محور الإشكال والمناقشات التي جرت، أخيراً، بشأن التكييف الفكري والسياسي للانتقال من التدرجية، حتى بداية 2015 ، ثم العودة إليها. وهنا، تبدو المشكلة في أن الانتقالات حدثت من دون ظهور رؤية توضح مرتكزات التحول، ولعل الإشكال الأساسي في الجدل بين السلمية والثورية أنه يعكس حالة تأخر في صياغة التصورات والبدائل اللازمة للخروج من الأزمات السياسية.
وفي سياق هذا التغير، برزت مشاهد ثورية ومفصلية، كان أولها؛ الاعتراض على مقترحات وثيقة المبادئ الدستورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ثم الولوج إلى سلطات الدولة، وأخيراً التصدي لانقلاب يوليو/تموز 2013، بكل تداعياته المؤلمة، ومن ثم، كان من المفترض وضع رؤية كلية لترتب أولويات الحراك السياسي، غير أن المواقف اللاحقة كشفت عن حالة تشتت وانقسام، وبطريقة تعوق التقدم في أي من المسارات؛ السلمية أو الثورية، ولعل السمة المشتركة للمناقشات الدائرة توضح وجود فجوة بين واقع الأفكار ونضجها، وبين التطلعات والآمال المعقودة عليها، ما وضع كل التصرفات في سياق ردود الأفعال ومن دون المبادرة.
ظهرت آراء تذهب إلى أن بناء الخيارات المستقبلية يمكن أن يتم بدون إجراء مراجعة أو تقييم السياسات التي اتبعتها الجماعة في المرحلة الماضية، واستندت هذه الآراء على أن الدخول في التفاصيل لا يساعد على التطور، ويضفي المزيد من التعقيدات، من دون أن يقدم حلولاً. ولكن، لم يتضح الأساس المنهجي الذي استندت عليه تلك الآراء، فما تقدمه نوع من المواءمات، وليس معالجة موضوعية للتحديات القائمة التي ما زالت أحداثها تجري، وتتفاقم آثارها السياسية والاجتماعية. وهناك قاعدة أخرى ترتبط بأن فهم أي ظاهرة لا يكون بمعزل عن الميراث التاريخي والسياسي، حيث يعد من العوامل الحاكمة في التفكير وصناعة البدائل، فاستبعاد هذا الميراث لا يعد عملية منهاجية أو رشيدة، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بعملية تحول سياسي.
في هذه الحالة، لا يمكن النظر إلى المستقبل، من دون فهم وتقييم السياسات الحيوية والمحورية وواسعة التأثير على مجريات الأحداث الراهنة، فكثير منها لايزال يحمل في طياته إشكالات كثيرة، تتعلق بالعوامل الدافعة لصياغة البدائل، ومدى توافر شروط نجاحها، خصوصاً أن السياسات الحركية ما زالت تحمل، في طياتها، إشكالات الجدوى السياسية والقدرة على تقييمها.
فالخلاف، في حقيقته، ليس مسألة فكرية، بقدر ما يعكس الإخفاق في معالجة المشكلات الداخلية، لعل أهمها ما يرتبط بقواعد التقييم والمحاسبة والترابط بين السلطة والمساءلة، فمنذ يوليو 2013 لم يصدر تقييم يوضح الأسباب التي أدت إلى اندلاع أزمات سياسية، وانهيار التجربة الديمقراطية.
ثمة إدراك لصعوبة مثل هذا التقييم، لكنه يعد ضرورياً لتكوين رؤية مستقبلية، وزيادة فرص استعادة الديمقراطية، كما يساهم في الخروج من الخلافات والانقسامات الهامشية حول مفاهيم صارت مستقرة، يكشف الجدل حولها عن ندرة نضوج مفرداتها لدى الرؤى المختلفة، وهو ما يشير إلى هيمنة أساليب العمل وفق قاعدة القصور الذاتي، من دون شرح المفاهيم والسياسات أو تطويرها.
وفي الوقت الراهن، ظهرت مناقشات أو خلافات حول أولوية التوجهات الفكرية في العمل السياسي، وثار جدل حول مفهومي السلمية (التدرجية) والثورية، إطاراً لمعالجة الأزمة السياسية في مصر، وهي مسألة صارت تشكل معضلة في تناول الظواهر السياسية، فعلى الرغم من أن التوجهات الفكرية لحركة الإخوان المسلمين تحتمل الثورية والسلمية، لكنها لا تحتمل فوضوية، فإن ما يبدو خلافاً فكرياً يبدو حالة ظاهرية، ما يثير التساؤل عن تصاعد الخلافات الداخلية بشأن أولويات تضمنها الميراث الفكري للجماعة.
لعل السياقات؛ التاريخية والسياسية، تكشف عن استقرار أفكار "الإخوان" وتوجهاتهم على مبدأ السلمية في معناها التدرجي، لكن انخراط الجماعة في التغيرات السريعة بعد ثورة يناير كشف عن انخفاض قدرة مفهوم السلمية التدرجية على التكيف مع الواقع الجديد، حيث تصاعدت وتيرة الأحداث، وظهر التنافس الديمقراطي على السلطة وسياسات إدارة الدولة، ما يشكل انتقالاً غير مخطط نحو الانحياز للخيارات الثورية.
وعلى الرغم من أن أفكار "الإخوان" تحتمل التدرجية والثورية، فإن العقود السابقة شهدت ميلاً شديداً نحو التدرجية، ما رسخ انطباعاً باعتباره مبدأ عاماً للتغيير السياسي والاجتماعي، ومرادفاً وحيداً للسلمية، فيما انحسر الاهتمام بفكرة الثورة أو الثورية، وهي حالة ترتبت على ندرة الكتابات الفكرية وكثافة الاعتماد على الموجهات التنظيمية، وبشكلٍ قلل من القدرة على تطوير المصادر الفكرية والتأسيسية للجماعة.
تناولت بعض البيانات السلمية مبدأ ثابتاً، بعرضٍ للأدبيات التي تبناها "الإخوان" عبر مراحل سياسية مختلفة، وهو تناول يتسق مع الطبيعة الإصلاحية للحركة، ومنهج تغيير اجتماعي متدرج، لكن هذا التوجه اهتز مع اندلاع ثورة يناير 2011 والتداعيات اللاحقة عليها، حيث برزت الميول الثورية والتغيرات السريعة فيما تتراجع فكرة التدرجية.
ويشكل هذا الواقع خلفية الانتقال غير المنهجي من التدرجية للثورية، ما أثار إشكالات جديدة، كان أهمها الخلط بين الثورة والعنف، وهذا ما يشكل محور الإشكال والمناقشات التي جرت، أخيراً، بشأن التكييف الفكري والسياسي للانتقال من التدرجية، حتى بداية 2015 ، ثم العودة إليها. وهنا، تبدو المشكلة في أن الانتقالات حدثت من دون ظهور رؤية توضح مرتكزات التحول، ولعل الإشكال الأساسي في الجدل بين السلمية والثورية أنه يعكس حالة تأخر في صياغة التصورات والبدائل اللازمة للخروج من الأزمات السياسية.
وفي سياق هذا التغير، برزت مشاهد ثورية ومفصلية، كان أولها؛ الاعتراض على مقترحات وثيقة المبادئ الدستورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ثم الولوج إلى سلطات الدولة، وأخيراً التصدي لانقلاب يوليو/تموز 2013، بكل تداعياته المؤلمة، ومن ثم، كان من المفترض وضع رؤية كلية لترتب أولويات الحراك السياسي، غير أن المواقف اللاحقة كشفت عن حالة تشتت وانقسام، وبطريقة تعوق التقدم في أي من المسارات؛ السلمية أو الثورية، ولعل السمة المشتركة للمناقشات الدائرة توضح وجود فجوة بين واقع الأفكار ونضجها، وبين التطلعات والآمال المعقودة عليها، ما وضع كل التصرفات في سياق ردود الأفعال ومن دون المبادرة.
ظهرت آراء تذهب إلى أن بناء الخيارات المستقبلية يمكن أن يتم بدون إجراء مراجعة أو تقييم السياسات التي اتبعتها الجماعة في المرحلة الماضية، واستندت هذه الآراء على أن الدخول في التفاصيل لا يساعد على التطور، ويضفي المزيد من التعقيدات، من دون أن يقدم حلولاً. ولكن، لم يتضح الأساس المنهجي الذي استندت عليه تلك الآراء، فما تقدمه نوع من المواءمات، وليس معالجة موضوعية للتحديات القائمة التي ما زالت أحداثها تجري، وتتفاقم آثارها السياسية والاجتماعية. وهناك قاعدة أخرى ترتبط بأن فهم أي ظاهرة لا يكون بمعزل عن الميراث التاريخي والسياسي، حيث يعد من العوامل الحاكمة في التفكير وصناعة البدائل، فاستبعاد هذا الميراث لا يعد عملية منهاجية أو رشيدة، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بعملية تحول سياسي.
في هذه الحالة، لا يمكن النظر إلى المستقبل، من دون فهم وتقييم السياسات الحيوية والمحورية وواسعة التأثير على مجريات الأحداث الراهنة، فكثير منها لايزال يحمل في طياته إشكالات كثيرة، تتعلق بالعوامل الدافعة لصياغة البدائل، ومدى توافر شروط نجاحها، خصوصاً أن السياسات الحركية ما زالت تحمل، في طياتها، إشكالات الجدوى السياسية والقدرة على تقييمها.
فالخلاف، في حقيقته، ليس مسألة فكرية، بقدر ما يعكس الإخفاق في معالجة المشكلات الداخلية، لعل أهمها ما يرتبط بقواعد التقييم والمحاسبة والترابط بين السلطة والمساءلة، فمنذ يوليو 2013 لم يصدر تقييم يوضح الأسباب التي أدت إلى اندلاع أزمات سياسية، وانهيار التجربة الديمقراطية.
ثمة إدراك لصعوبة مثل هذا التقييم، لكنه يعد ضرورياً لتكوين رؤية مستقبلية، وزيادة فرص استعادة الديمقراطية، كما يساهم في الخروج من الخلافات والانقسامات الهامشية حول مفاهيم صارت مستقرة، يكشف الجدل حولها عن ندرة نضوج مفرداتها لدى الرؤى المختلفة، وهو ما يشير إلى هيمنة أساليب العمل وفق قاعدة القصور الذاتي، من دون شرح المفاهيم والسياسات أو تطويرها.